فصل: الزواج في ظل الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الزواج في ظل الإسلام **


بسم الله الرحمن الرحيم

الزواج في ظل الإسلام

 مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‏.‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏ ، ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا‏}‏ ، ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما‏}‏‏.‏

وبعد فقد اطلعت على كثير من مشاكل البيوت والأسر، وأحمد الله سبحانه إذ حقق على يدي حلولاً لكثير من المشاكل التي اعترضت بعض إخواني وأصدقائي وزملائي‏.‏

وقد رأيت أن كثيراً من هذه المشاكل هي بسبب الجهل بالقواعد والأحكام الشرعية لعقد الزواج وأنه بمجرد العلم بهذه القواعد والأحكام وتطبيقها يستقيم نظام الأسرة ويتماسك بناؤها‏.‏ وكذلك وجدت أن من أسباب الخلاف والتفكك الأسري تنقسم إلى ثلاث القسمان الأول والثاني هما الجهل بالتكوين النفسي وبالخصائص الذاتية لكل من الذكر والأنثى وأن الرجل عندما يتزوج المرأة دون العلم بهذه الخصائص الذاتية وبهذه المكونات النفسية فإنما يتعامل مع المجهول، وكذلك الحال بالنسبة لإقدام المرأة على الزواج بالرجل وهي لا تعرف خصائصه الذاتية ومكوناته النفسية، ويعود القسم الثالث من أنواع المشاكل بين الزوجين إلى الجهل بالأخلاق الواجبة التي يجب أن تسود علاقات الزوجية، ومن أعجب ما رأيت في هذا الصدد أن يكون الرجل لطيفاً كريماً مع الناس جميعهم إلا مع زوجته‏.‏ وأن تكون الزوجة متزنة عاقلة في تصرفاتها مع جميع من تعاشر إلا مع الزوج‏.‏

هذه هي أصول المشاكل في الأسر وقد رأيت من واجبي أن أقدم لإخواني هذه الرسالة أرجو أن يجد المتزوجون فيها ضالتهم المنشودة التي تفتح لهم آفاقاً جديدة من السعادة والسلام والاستقرار، وأن يجد الذين لم يتزوجوا بعد دراسة كاملة في هذا الصدد يستطيعون بها أن يؤسسوا بيوتاً ملؤها السعادة والحب‏.‏

وكنت قد نشرت هذا الكتاب في جريدة الوطن الكويتية وقد وفق الله نشره الآن في كتاب لتتم به الفا‌ئدة ولله الحمد أولاً وأخيراً‏.‏

ولقد حاولت -بحمد الله- ما أمكنني أن أيسر موضوع عقد الزواج لكل قارئ حتى تفهم شروط هذا العقد ومواقعه وآثاره، وذلك أني أكتب هذا الكتاب للعامة وليس للعلماء والمتخصصين‏.‏ إني أكتب هذه الرسالة لإخواني وأخواتي رغبة في تمكينهم من أن يؤسسوا بيوتاً صالحة وأن يحافظوا على هذا العهد المقدس والميثاق الغليظ كما وصفه الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً‏}‏‏!‏‏!‏‏.‏ وكذلك ليحافظ المسلمون على بقاء هذا العقد لأنه آخر ما بقي بأيدينا اليوم من قوانين الإسلام وتشريعاته، وضياع هذا العقد من مجتمع المسلمين يعني ضياع آخر أحكام الشريعة الإسلامية من مجتمعنا المعاصر‏.‏

ولا شك أن معرفة العامة بهذا العقد، وصيانة أحكامه والعمل بهدي الله الذي جاء فيه صيانة عظيمة لمجتمعنا من الفساد والانحلال الذي اجتاح دول العالم شرقاً وغرباً بعد أن فرطوا في عقد الزواج فانهدم النظام الأسري وانهدمت تبعاً لذلك كافة الأخلاق والقيم‏.‏

والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب المبارك كل ناظر فيه ودارس له وأن يجعل ثوابنا عنده الجنة‏.‏ ‏{‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً‏}‏، والحمد لله أولاً وأخيراً‏.‏

عبدالرحمن عبدالخالق

الكويت في 17 محرم 1399هـ‏.‏

 الزواج نعمة

امتن الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه أن خلقنا معشر الرجال والنساء من نفس واحدة‏.‏ وهذه النفس الواحدة هي آدم‏.‏ والمنة في هذا أن نوع الرجال ليسوا خلقاً مستقلاً وكذلك نوع النساء ليس أصل خلقهم مستقلاً فلو كان النساء خلقن في الأصل بمعزل عن الرجال كأن يكون الله قد خلقهم من عنصر آخر غير الطين مثلاً أو من الطين استقلالاً لكان هناك من التنافر والتباعد ما الله أعلم به ولكن كون حواء قد خلقت كما جاء في الحديث الصحيح من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام كان هذا يعني أن المرأة في الأصل قطعة من الرجل، ولذلك حن الرجل إلى المرأة وحنت المرأة إلى الرجل وتجانسا‏:‏ حنين الشيء إلى مادته وتجانس المادة بجنسها‏.‏

ثم كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل التكاثر من التقاء الرجال والنساء لقاء يكون فيه الإفضاء الكامل، والالتصاق الكامل واللذة الكاملة وذلك ليحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏النساء شقائق الرجال‏]‏، فالرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة‏.‏ أو شقان لشيء واحد‏.‏

وهذا الخلق على هذا النحو من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون‏}‏‏.‏

ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بمراعاة هذه الوحدة في الأصل عند تعامل الرجال والنساء فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً‏}‏‏.‏

بل أمرنا بما هو أكبر من ذلك أن نتذكر نعمته في خلقنا على هذا النحو، وبأن خلق فينا هذا الميل من بعضنا لبعض وغرس في القلوب الحب والرحمة بين الزوجين كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون‏}‏‏.‏

وهكذا يصبح أمام المسلم أمور يجب أن يضعها نصب عينيه وهو يبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة‏:‏

أولاً‏:‏ أن الرجال والنساء جنس واحد وليسوا جنسين، فأصلهم واحد وهو آدم وزوجته قطعة منه، والرجال والنساء في الأرض بعضهم من بعض لا توجد نسمة إلا وفيها جزء من الرجل وجزء من المرأة وقد تحملت المرأة في الخلق والتكاثر ما لم يتحمل الرجل حيث كان رحمها مستقراً ومستودعاً للنطفة، ومكاناً لاكتمال الخلق من البويضة النطفة إلى الطفل‏.‏ وقد تحمل الرجل في مقابل ما تحملت المرأة الكدح في سبيل العيش والرعاية وبهذا توزعت الاختصاصات وتحمل كل شق من هذا الجنس الواحد جانباً من جوانب استمرار الحياة وبقاء الحضارة‏:‏ تحملت المرأة وهيأها الله أن تكون مستقراً ومستودعاً للنسل حتى يخرج إلى الحياة، وأن يكون الرجل مكافحاً وعاملاً وكادحاً في سبيل الحصول على الرزق وبهذا تكتمل الصورة الواحدة‏.‏

ثانياً‏:‏ أن خلق الرجال والنساء على هذا النحو من أكبر آيات الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الأدلة على قدرته‏.‏ وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إلى التفكير في هذا الخلق كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب‏}‏، والصلب في لغة العرب هو فقار الظهر ‏(‏عند الرجل‏)‏، والترائب هي عظام الصدر، قال الفراء في هذه الآية ‏(‏يعني صلب الرجل وترائب المرأة‏)‏ والمعنى عند ذلك أنه من مجموع جسدي الرجل والمرأة بل ومن مخ عظامهما أوجدك الله أيها الإنسان‏.‏ وذلك لتتم اللحمة والتعاطف والحب بين الأزواج والزوجات والآباء والأمهات والأبناء بعضهم مع بعض فمن فرق بين الذكر والأنثى لصفات الذكورة والأنوثة التي جعلها الله سبحانه وتعالى لازماً لاستمرار النوع والنسل فقد فرق بين الشيء نفسه وجنسه، ومن افتعل معركة بين ذكور الجنس البشري وإناثه فإنما هو مبطل يريد هدم الكيان البشري والوصول إلى الإباحية والشيوعية الجنسية، ومن قال بما قال به الرب سبحانه من توزيع الحقوق والوجبات على الجنسين اعتباراً بالذكورة والأنوثة فقد وافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأراد أن يعم السلام والخير بين الرجال والنساء‏.‏

انظر إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون‏}‏‏.‏

فالزوجة من النفس لأنها بضعة من الرجل، والأولاد وأولاد الأولاد من اجتماع الذكور والإناث، والراحة النفسية ومتاع الدنيا هو في الحب الحقيقي بين الزوج وزوجته وبين الأب والأم وأولادهما، وبين الأبناء وآبائهم وجدودهم، فكم يسعد الجد بأحفاده سعادة لا تعدلها سعادة الطعام الجيد والشراب اللذيذ، وصلة القرابة هذه وصلات النسب والتمتع بذلك لا يكون إلا في ظل النكاح الشرعي، وأما في أنكحة السفاح فإن أول حرمان لأصحابها هو حرمانهم من هذا الحب الشريف النقي بين الأرحام إذ مع السفاح واختلاط الأنساب لا أرحام وإنما يبغي لذة واحدة هي لذة الحيوان فهل يراد للبشر الذين كرمهم الله أن يكونوا كذلك‏؟‏‏.‏‏.‏

 حكم الزواج في الإسلام

الزواج شرعه الله سبحانه وتعالى لبقاء النسل، ولاستمرار الخلافة في الأرض كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة‏}‏، والخليفة هنا هم الإنس الذين يخلف بعضهم بعضا في عمارة هذه الأرض وسكناها بدليل قوله تعالى بعد ذلك‏:‏ ‏{‏أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك‏}‏، وقال تعالى أيضا‏:‏ ‏{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض‏}‏، ولا يمكن أن نكون خلائف في الأرض إلا بنسل مستمر، وليس كل نسل مرادا لله سبحانه وتعالى ولكن الرب يريد نسلا طاهرا نظيفا، ولا يتحقق ذلك إلا بالزواج المشروع وفق حدود الله وهداه‏.‏

ولما كان الإسلام دين الفطرة، ودين الله الذي أراد عمارة الأرض على هذا النحو فإن الإسلام قد جاء بتحريم التبتل والحث على الزواج لكل قادر عليه ويدل على هذا أحاديث منها‏:‏

1- حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‏:‏ ‏[‏رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو آذن له لاختصينا‏]‏، والتبتل هو الانقطاع عن الزواج عبادة وتدينا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى بالصبر على ذلك والبعد عما في الزواج من متعة وأشغال ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى، ومعنى هذا أن هذه العبادة غير مشروعة في الإسلام‏.‏ بل قد جاء حديث آخر يبين أنها مخالفة لسنة الإسلام وهديه وهو الحديث الآتي‏:‏

2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‏:‏ أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم‏:‏ لا أتزوج النساء، وقال بعضهم‏:‏ أصلي ولا أنام، وقال بعضهم‏:‏ أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء‏.‏ فمن رغب عن سنتي فليس مني‏]‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏‏.‏ وهذا صريح في أن هذه الشريعة أعني التبتل والرهبانية ليست من دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء‏.‏

وقد جاءت الأحاديث التي تحث على الزواج وتبين أن الزواج عون على طاعة الله ومرضاته من ذلك‏:‏

1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏]‏ ‏(‏رواه الجماعة‏)‏‏.‏

وفي هذا الحديث ما يدل على أن الزواج معين على العفة وصون الجوارح عن زنا الفرج كما في الحديث‏:‏

‏[‏إن العين تزني وزناها النظر، وإن اليد تزني وزناها البطش، وإن الأذن تزني وزناها السمع، وإن الفرج يصدق هذا أو يكذبه‏]‏، وإعفاف النفس وصونها عن كل ذلك من أفضل ما تقرب به المتقربون إلى ربهم سبحانه وتعالى كما لا يخفى ما في ترك الزواج من الآثار السيئة النفسية المدمرة على كل من الرجل والمرأة وهو ما عبر عنه القرآن بالعنت حيث قال تعالى في شأن إباحة الزواج من الإماء‏:‏ ‏{‏ذلك لمن خشي العنت منكم‏}‏، وهو الإرهاق النفسي الذي يصاحب الكبت الجنسي‏.‏

2- ومن هذه الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في معرض بيان ما يثاب به العبد وتكتب له به الحسنات‏:‏ ‏[‏وفي بضع أحدكم صدقة‏]‏، والبضع هو من المباضعة -والمباضعة‏:‏ هي الجماع- قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر‏؟‏ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر‏]‏، وهذا الحديث غاية في بيان المراد في هذا الصدد وأن الزواج ليس من المباح الملهي وإنما هو من المباح الذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏

3- وفي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏دينار تنفقه على أهلك، ودينار تنفقه على مسكين، ودينار تنفقه في سبيل الله،أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك‏]‏ ‏(‏رواه مسلم‏)‏‏.‏

وفي هذا بيان أن النفقة على الأهل أحب النفقات وأعظمها أجراً عند الله سبحانه وتعالى وبالطبع هذا كله إذا ابتغى المسلم وجه الله سبحانه وتعالى لما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏[‏واعلم أنك لن تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة تبتغي بذلك وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك‏]‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏‏.‏

وقد استدل ببعض الأحاديث المتقدمة من يرى وجوب الزواج وأن من تركه مع القدرة عليه فهو آثم وهذا رأي ابن حزم وقول من أقوال الإمام ابن حنبل وعموم الفقهاء والأئمة على استحباب ذلك ولكن لا يخفى مع هذا أن من تركه زهادة فيه وهو آمن على نفسه من الفتنة وانشغالاً بأعمال أخرى من البر والدعوة والجهاد فنرجو أن لا يكون مثل هذا آثماً بتركه‏.‏

 حكمة الزواج وأهدافه

لماذا نتزوج‏:‏

سؤال ينبغي أن يسأله كل شاب وشابة لنفسه بل كل مريد للزواج قبل أن يقدم عليه‏.‏ لماذا نتزوج‏؟‏ وما الحكمة من هذا الزواج‏؟‏

وهناك أربعة حكم أو أهداف اجعلها نصب عينيك قبل أن تقدم على الزواج‏.‏

1- النسل‏:‏

جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا عن نفسه‏:‏ ‏{‏الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين‏}‏، ولذلك أيضاً جعل الله سبحانه وتعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد‏}‏‏.‏

والنسل الذي يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذي يأتي بطريق نكاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوي هو نسل النكاح‏.‏ وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحياة ويشيع فيها الكراهية والمقت‏.‏ ولا يغيب عن بال قارئ مثقف في عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان في طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معاني الرحمة‏.‏

والنكاح بأصوله وحدوده وقواعده كما شرعه الله سبحانه وتعالى هو الوسيلة السليمة لاستمرار النوع الإنساني وبقائه وقد أمرنا سبحانه بابتغاء النسل عند معاشرة النساء حيث قال سبحانه‏:‏ ‏{‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن - علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم‏.‏‏.‏‏}‏ الآية، وابتغاء ما كتب الله هو طلب الولد ‏(‏على وجه من وجوه التفسير لهذه الآية‏:‏ ‏{‏وابتغوا ما كتب الله لكم‏}‏ أي من قيام رمضان فلا تنشغلوا بالمباح في ليلة من معاشرة النساء عن قيام ليلة وخاصة في العشر الأواخر كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتزل نساءه فيهن‏)‏ ولذلك جاء في حديث ابن عباس في الصحيح قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً‏]‏‏.‏

2- الإمتاع النفسي والجسدي‏:‏

يهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين‏:‏ سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون‏}‏ ‏(‏الروم‏:‏21‏)‏‏.‏

والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شيء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع، والسكن بالزواج مطلوب شرعاً كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها‏}‏، وهذا عن زينب رضي الله عنها والوطر هو حاجة الإنسان كالأرب، والاستمتاع بالنساء لا ينافي التعبد الكامل بل هذا النبي صلى الله عليه وسلم سيد العابدين والمتقين يقول‏:‏ ‏[‏حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة‏]‏‏.‏ فمحبة الطيب والنساء لم تمنعه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين وأن يكون سيد العابدين المتقين، ولذلك فقد وسع الله عليه في ذلك، حيث قال‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

وبين سبحانه وتعالى أنه لا حرج ولا ضيق على النبي في هذا المباح والذي أوجب الله عليه بعضه أحياناً كما أوجب عليه أن يتزوج بزينب وأمره بذلك حيث قال‏:‏ ‏{‏فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها‏.‏‏.‏‏}‏ الآية، فالآمر بالزواج هنا هو الله سبحانه وتعالى وبين أنه لا حرج عليه في هذا حيث قال‏:‏ ‏{‏ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً‏}‏‏.‏

والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق الله من متاع لعباده في الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع الله وهديه من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه‏.‏

3- بلوغ الكمال الإنساني‏:‏

الحكمة الثالثة من حكم الزواج هي بلوغ الكمال الإنساني فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج الشرعي الذي يتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعاً ربانياً قائماً على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعاً عشوائياً قائماً على الأثرة وحب الذات وافتعال المعارك بين الرجال والنساء وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات بالشد والجذب والتصويت في ‏(‏البرلمانات‏)‏‏.‏

فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجود الوفاء والرحمة‏.‏ فمشاعر الزناة والزواني لا يمكن أن تكون كمشاعر الأزواج والزوجات فالأولى مشاعر حيوانية شهوانية حدها محدود بوجود هذه اللذائذ الحسية ومنته بانتهائها، ولا يمكن أن يكون فيها ومعها أي شعور بالاحترام والود والوفاء بل على العكس من ذلك، هناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان احتقار الزواني لمن وافقته على عمله الخبيث، واحتقار الزانية لمن استغل حاجتها أو جمالها أو ضعفها الأنثوي وميلها الطبيعي‏.‏ ولذلك فمشاعر الزناة والزواني متضاربة، ساقطة، ومشاعر الأزواج منسجمة سامية، وتلك المشاعر تولد العقد النفسية والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس، وأما مشاعر الأزواج النظيفة فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب، وباختصار مشاعر الأزواج بناء ومشاعر الزناة والزواني مشاعر هدم‏.‏ ولذلك سمى الزواج في الإسلام بناء‏.‏ حيث إنه بناء نفسين وبناء أسرة‏.‏

ولذا فأبعد الناس عن الأمراض النفسية والعصبية هم أهل الاستقامة في هذا الشأن وأقرب الناس إلى الأمراض النفسية والعقد والامتهان هم أهل الانحراف والفساد‏.‏

ولذلك فالمجتمع السليم في أفراده ذكوراً وإناثاً هو مجتمع الزواج الشرعي، وبغير ذلك مجتمع الخنا والانحراف‏.‏

وتوزيع المسؤوليات في الزواج ينمي قدرة الرجل على القيام بالواجب ويجعل له هدفاً سامياً في الحياة وهو إسعاد زوجته أو حمايتها والسعي في سبيل أبنائه وذريته‏.‏ وبالمسئوليات يتربى الرجال وكذلك بالمسئوليات الملقاة على الزوجة نحو الزوج تكمل شخصية المرأة‏.‏ وقد دلت الإحصائيات الحديثة على أن المرأة لا تكمل نفسياً وجسدياً وعقلياً أيضاً إلا بعد المولود الثالث فإذا كانت هذه الزوجة التي رزقت بأولاد ثلاثة في ظل أسرة متماسكة وفي ظل تربية سليمة وأهداف نبيلة بلغت المرأة كمالها الإنساني الذي قدره الله لها‏.‏ وبهذا نفسر التمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدم التي تسيطر على العوانس ممن حرمن نعمة الزواج والأولاد ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر المسلمين أمراً لازماً بتزويج العوانس والأرامل حيث قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله‏.‏‏.‏‏}‏ الآيات‏.‏ والأيامى جمع أيم، والأيم هي التي مات زوجها، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة‏.‏ فالعنوسة وكثرة الأيامى التي لا يتزوجن من أكبر مشكلات المجتمع - والشاهد أن المرأة التي حرمت نعمة الزواج أو حرمت نعمة الأولاد امرأة ناقصة خلقياً وفكرياً وعقلياً، وإن كان هذا أحياناً بظلم المجتمع‏.‏ ولست بصدد البحث عن أسباب ذلك، ولكننا بصدد البحث في نتائج ذلك‏.‏ والخلاصة أن الرجل لا يكمل عقله وتستقر نفسه إلا في ظل الزواج وكذلك الحال بالنسبة للمرأة‏.‏

4- التعاون على بناء هذه الحياة‏:‏

هذه الحياة التي نعيشها على ظهر هذه الأرض تفرض علينا أن نعيش في مجتمع، والمجتمع بناء كبير يتكون من لبنات‏.‏ والوحدة الأولى من وحدات هذا المجتمع هو الفرد رجلاً كان أم امرأة‏.‏ والرجل والمرأة مستقلاً كلاً منهما عن الآخر لا يستطيع أي منهما العيش، بل كل منهما محتاج للآخر حاجة شق النواة للشق الثاني بل حاجة الشيء إلى نفسه، ولذلك لا يمكن أن نبني مجتمعاً سليماً إلا بتكوين لبنة سليمة، ولا نستطيع أن نقول إن الرجل بنفسه لبنة واحدة ولذلك كانت الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع السليم، وبتعاون الزوجين تبنى الحياة، ولذلك فعقد الزواج يشابه عقود الشركة من هذا الوجه‏.‏ أعني المشاركة في بناء الحياة وتحمل أعبائها‏.‏

هذه أهداف أربعة اجعلها أمامك‏:‏ النسل، والاستمتاع، وبلوغ الكمال الإنساني، والمشاركة لبناء الحياة‏.‏

 كيف تختار شريك الحياة‏؟‏‏!‏

عرفنا مما سبق أنه يجب علينا أن نضع أربعة أهداف أمامنا ليكون زواجنا كاملاً وهذه الأهداف الأربعة هي‏:‏ النسل، والإمتاع النفسي والجسدي، وبلوغ الكمال الإنساني، والتعاون على بناء الحياة، هذه الأهداف الأربعة قد نصل إليها جميعها وقد نحرم بعضها إما بشيء خارج عن إرادة الزوجين كالنسل وذلك أن العقم يعود غالباً إلى أسباب خلقية ‏(‏بفتح الخاء وتسكين اللام‏)‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويجعل من يشاء عقيماً‏}‏، وقد يعود التقصير في بلوغ الأهداف السابقة إلى أسباب من فعلنا كسوء الاختيار والانحراف الخلقي والجهل بطبيعة الحياة الزوجية‏.‏‏.‏ الخ وهذا ما نحن بصدد بيان السبل التي تساعدنا على تجنبه‏.‏

أول ما يجب على كل من الرجل والمرأة معرفته هو مناط الاختيار‏.‏ أعني ما الصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة حتى يرغب الرجل في الزواج بها‏؟‏ وما الصفات التي يجب أن يتحلى بها الرجل حتى ترغب المرأة في الزواج منه‏؟‏ وفيما يلي بعض صفات هي مناط الاختيار عند الناس جميعاً سنورد بحول الله كل صفة مبينين القيمة الحقيقية لها وأثرها في الحياة الزوجية‏.‏

أولاً‏:‏ الأصل أو المعدن أو الأرومة‏:‏

لو نظرت إلى مجموعة مختارة من جميع أجناس الأرض وأشكالها لوجدت أنهم يختلفون في مظهرهم وخلقتهم اختلافاً بيناً فهناك الطويل والقصير والألوان على اختلاف درجاتها من الأسود والأبيض والأصفر‏.‏‏.‏ وهناك اختلاف الأشكال والملامح والقسمات‏.‏‏.‏ بل ليس هناك إنسان في الأرض يشبه إنساناً آخر من كل وجه بل لا بد أن يكون هناك اختلاف ما، ولذلك لا تشبه بصمة أصبع بصمة أخرى أبداً‏.‏

وهذا الاختلاف الظاهري الشكلي يبدو تافهاً جداً وقليلاً جداً إذا قارناه بالاختلاف النفسي والخلقي فنفوس الناس وصفاتهم الداخلية الخلقية تختلف اختلافاً عظيماً جداً‏.‏ وأصدق وصف لاختلاف الناس هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الناس معادن كمعادن الذهب والفضة وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا‏]‏، وفي الحديث فوائد عظيمة جداً أهمها‏:‏ أن كرم الأصل في الجاهلية يساعد على التحلي الكامل بأخلاق الإسلام والقيام بتعاليمه‏.‏ فالإنسان ‏(‏خامة‏)‏ منها النوع الجيد جداً الذي يتشكل بسهول ومن الناس خامات رديئة كالفضة المغشوشة أو المعدن المخلوط الذي لا يصلح مهما حاولت صناعته لشيء‏.‏ وهناك فارق عظيم بين كرم الأصل، ونقاوته وشهرة العائلة والقبيلة فقد يشتهر غير الكرام وإنما المقصود المعدن البشري‏.‏ والحق إن معرفة معادن الناس شيء عسير جداً ولا يفهمه إلا صيرفي ماهر، وهذا لا يستطيعه كل الناس ولكن الضابط في هذا هو اشتهار الناس بأخلاق معينة وصفات معروفة، قد تكون هذه الشهرة مبنية على معرفة حقيقية وحوادث ووقائع تفيد العلم اليقيني، وقد تكون مبنية على دعايات وإشاعات كاذبة‏.‏ فالناس يقولون هؤلاء القوم كرماء شجعان، وأولئك بخلاء جبناء، وهؤلاء القوم تغلبهم نساؤهم، وأولئك يهينون زوجاتهم، وهؤلاء القوم نساؤهم عفيفات محصنات وأولئك نساؤهم مستهترات خليعات وهكذا‏.‏ المهم أن أخلاق الشعوب والقبائل والفصائل مختلفة متباينة ولذلك وجب علينا النظر في أصول الناس قبل الإقدام على الزواج‏.‏ وهذه القاعدة بالطبع قاعدة أغلبية وليست قاعدة كلية حتمية فقد يوجد الشجاع من القوم الجبناء، وقد توجد العفيفة المحصنة في القوم الذين لا يأبهون لميل نسائهم وانحراف رجالهم وعلى كل حال فالنظر في الأصول أمر دقيق جليل، ولا يجوز أن نأخذه على وجه العصبية والجاهلية وإنما يجب أن نأخذه على الأمر بحسن الاختيار، فبعض الشعوب وبعض القبائل يرفعون أنفسهم ويتعصبون لها على وجه التعصب والجهل والجاهلية ويمنعون أنفسهم ونساءهم من زواج الآخرين على زعم أنهم خير منهم وقد يكون عند الآخرين من الصفات النفسية والخلقية الطيبة ما ليس عند أولئك‏.‏

فنظرنا نحو الأصل يجب أن يكون هو النظر نحو ‏(‏الخامة‏)‏ والمعدن‏:‏ الخامة التي تتوافر فيها الصفات الإنسانية الطيبة‏.‏ باختصار يجب أن يبحث الرجل عن المرأة ‏(‏الإنسان‏)‏ ويجب أن تبحث المرأة عن الرجل ‏(‏الإنسان‏)‏‏.‏ انظر عندما خطب أبو طلحة وهو مشرك كافر امرأة من المسلمين هي أم سليم قالت له‏:‏ ‏(‏يا أبا طلحة والله ما مثلك يرد ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة ولا تحل لي فإن تسلم فهو مهري‏!‏‏!‏‏)‏‏.‏ فقول هذه المرأة الفقيهة‏:‏ ‏(‏والله ما مثلك يرد‏)‏ معناه أن الرجل فيه الصفات الإنسانية التي تطمح المرأة في وجودها في الرجل ولكن منعها من الموافقة كفر‏.‏ باختصار ليكون بحثنا أولاً عن الإنسان‏.‏

ثانياً‏:‏ الدين‏:‏

الدين هو المنهاج الرباني الذي أنزل ليجعل من الإنسان إنساناً كاملاً في صفاته وأخلاقه وليجعل معاملته وتصرفاته في هذه الدنيا على أكمل الوجوه التي تحقق العدل والسعادة، وهذا الدين إذا التقى مع المعدن الإنساني الطيب ووافق القبول صنع الأعاجيب ولكنه إذا صادف المعدن الهش المغشوش صنع في صاحبه بالقدر الذي يحتمله ويطيقه إذا توفر القبول أيضاً‏.‏

والتدين الحقيقي شيء خفي لأن حقيقة الدين تتعلق بالقلوب أعظم مما تعلق بالظواهر دلالات وعلامات على الدين ولكنها ليست دلالات ظنية فليس كل من أعفى لحيته، وقص شاربه، ووقف في صفوف الصلاة مع المسلمين كان متديناً مؤمناً بل هذه ظواهر قد تدل على هذا وقد يكون هذا نوعاً من النفاق والمجاراة والاعتياد لا يغني قليلاً أو كثيراً في حقيقة الدين‏.‏

وكذلك بالنسبة للمرأة أيضاً فمع أن الحجاب فريضة إسلامية وظاهره يدل على الصلاح والدين والفقه إلا أنه ليس دليلاً قطعياً على ذلك ولكنه ظاهر فقط قد يكون نوعاً من النفاق والمجاراة والعادة أيضاً‏.‏ والذي نعنيه هنا في اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة البحث عن الدين الحقيقي أو كما قلنا آنفاً الدين الحقيقي لا يعمل على وجه القطع ولكن بغلبة الظن، وأداء الشعائر والحفاظ عليها قرائن ظاهرية إذ ضممنا بعضها إلى بعض قد نحصل على نتيجة حقيقية‏.‏ وهذا أقوله حتى لا يتعثر بعض الشباب بالقشرة الخارجية لبعض الفتيات، ولا تتعثر أيضاً بعض الفتيات الطيبات الصالحات بالقشور الخارجية لبعض الرجال‏.‏

ولذلك كان سؤال عمر بن الخطاب عن الرجال هو التعامل بالدينار والدرهم‏.‏ فقد سأل رجلاً فقال‏:‏ هل تعرف فلاناً‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ هل عاملته بالدينار والدرهم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إذن لا تعرفه‏.‏ فمعرفة الدين الحقيقي لا يكون إلا بالمواقف والتعامل ومن أحرج المواقف التي تظهر الرجال المعاملة بالدينار والدرهم لأن النفوس مجبولة على حب المال فإذا تغلب الدين ومراقبة الله على النفس في هذه القضية دل هذا على وجود الدين‏.‏ ولذلك يجب علينا في البحث عن الزواج أن نبحث عن حقيقة الدين وأن نأخذ من مجموع التصرفات والمعاملات هدايا ومرشدا إلى معرفة دين الرجل والمرأة‏.‏

ثالثاً‏:‏ الحب‏:‏

يعلق كثير من راغبي الزواج أهمية بالغة على وجود الحب قبل الزواج‏.‏ ويجعله بعضهم شرطاً أساسياً للزواج الناجح ويصمون الزواج الذي يعقد قبل الحب، بالفشل‏.‏ وهذا الكلام يصدر عن هوى أو عن جهل بحقائق الزواج، وطبيعة الحياة بين الرجل والمرأة‏.‏

ويختلف مفهوم الناس لكلمة الحب اختلافاً كبيراً فبينما تصدق هذه الكلمة على ميل القلب الفطري والغريزي والمكتسب نحو شيء ما كحب الأبناء لآبائهم والعكس وميل الرجل الغريزي نحو المرأة والعكس، وكذلك على ميل الإنسان لبعض المحبوبات من المطعومات والملبوسات والمرئيات‏.‏ أقول بينما تطلق اللفظة في اللغة على ميل القلب وراحته إلى شيء ما فإن هذه اللفظة تستعمل خطأ على الممارسات ‏(‏الجنسية‏)‏ خاصة بين الرجل والمرأة وخاصة في مجال العلاقات الآثمة وهذا منتهى الإفساد لهذه الكلمة الطيبة والتبديل لمعناها، فالاسم الصحيح للعلاقات الآثمة هو الزنا والبغاء‏.‏ ووضع الكلمات الطاهرة الطيبة على المعاني الفاسدة يفسد اللغة والذوق وكذلك يهدم الدين والأخلاق ولذلك فإننا نرى أنه لا يجوز استعمال هذه اللفظة ‏(‏الحب‏)‏ إلا في معناها الصحيح‏.‏

والذين يسعون قبل عقد العقد الشرعي، والخطبة الشرعية إلى الحصول على الحب بمعناه الفاسد إنما يكتبون بأيديهم فساد حياتهم الزوجية ويهدمون أهم عامل من عوامل الحب الحقيقي بين الزوجين وهو الوفاء والإخلاص ‏(‏وقد تكلمنا عن هذا مفصلاً في بحث البكارة‏)‏‏.‏

ولا يتصور وجود الوفاء والإخلاص إلا بالطهارة والاستقامة الخلقية قبل الزواج وبعده‏.‏

بخلاف ذلك فالمرأة تسعد وتحب أن تكون مأخوذة ومحبوبة والرجل يجد سعادة فائقة إذا كان عند زوجته هو الرجل الوحيد في الدنيا، وأنه لا رجل غيره‏.‏‏.‏ وما زال ولن يزال الرجل يتألم وتجرح كبرياؤه لو مدحت امرأته رجلاً غيره أو حتى استظرفت غيره أو استحسنت منه شيئاً‏.‏‏.‏ والمعرفة الواسعة للرجل بالمرأة التي يريد الزواج بها وكذلك معرفة الفتاة معرفة كاملة أو شبه كاملة بالرجل الذي تريد الزواج به يفقد الزواج أحلى قضية فيه وهو هذا الاضطراب والخوف اللذيذ من ملاقاة المجهول فبالرغم من أن الإسلام أوجب على الرجل النظر إلى المرأة قبل الزواج وجعل رضا المرأة شرطاً في صحة العقد فإن النظر والرضا لا يعني أكثر من الاطمئنان إلى ‏(‏الشكل‏)‏ المطلوب، ويبقى الموضوع شيئاً آخر تماماً، والذين يريدون معرفة المرأة معرفة تامة قبل الزواج إنما يفرغون الزواج من معناه الحقيقي‏.‏

وباختصار يجب أن نفهم الحب بمعناه الحقيقي لغة وشرعاً، ويجب أن نبني البيوت على الحقائق لا على الأوهام والأماني التي يمني كل من الراغبين في الزواج بها أحدهما الآخر‏.‏ ولا بأس بتاتاً أن يميل قلب رجل إلى امرأة يسمع عن صفاتها وأخلاقها وشمائلها وكذلك لا تعجب إذا أحبت امرأة رجلاً شاهدت وعلمت من صفاته وشمائله ما يدعوها إلى الزواج منه‏.‏ ولكن لا يجوز بتاتاً -إذا أردنا زوجاً سليماً صحيحاً- أن تكون هناك ثمة علاقة بين رجل وامرأة يريدان الزواج أكثر من معرفة الصفات الحقيقية التي سيبني عليها الزواج، والعلاقات الآثمة التي تسبق الزواج ستكون حتماً هي العامل الأول في هدم السعادة الزوجية‏.‏

ويحسن هنا أن نشير إلى أن عقد الزواج الشرعي وإن كان يبيح للرجل الاستمتاع الكامل بزوجته فإنه لا يحسن هذا قبل إعلان ‏(‏الدخول‏)‏ الشرعي لما يترتب على هذا الإعلان من حقوق شرعية لكل من الرجل والمرأة سيأتي تفصيلها في مكانها من هذا البحث إن شاء الله تعالى‏.‏

والحب الكامل بين رجل وامرأة لا يمكن تصوره إلا بعد الزواج حيث تتاح الفرصة للمنافع المتبادلة ولترجمة الإخلاص والوفاء والتفاني في خدمة الغير إلى واقع فعلي‏.‏ وأما قبل الزواج فإن الحب غالباً لا يكون إلا مجرد الميل الغريزي بين الرجل والمرأة، وقد يزيد من إشعال هذا الحب تلك الأماني الجميلة والأحلام المعسولة التي يمطر بها القادمان على الزوج أحدهما الآخر فأحلام اليقظة وبناء الآمال العريضة وإظهار التفاني والإخلاص الذي يقدمه كل من الرجل للمرأة والمرأة للرجل قبل الزواج تشعل الحب وتؤكد ميل القلب ولكن حرارة الحياة وجديتها ورتابة الحياة الزوجية وطول الألف والعشرة تهدم هذه الآمال والأحلام إذا لم يكن عند الزوجين المفهوم الصحيح لمعنى الحياة الزوجية، ولذلك يفاجأ كثيراً من الأزواج ‏(‏الواقع المر‏)‏ بعد دخول الحياة الزوجية ويرون تبدلاً عظيماً في أخلاق شريكة الحياة وقد يسأل كل منهما نفسه‏:‏ هل هذا حقاً هو الإنسان الذي عرفته قبل الزواج‏؟‏‏!‏ وذلك أنهم بنوا حياتهم على الأحلام والأماني لا على الواقع، ولذلك فالتعويل على هذه الأحلام هو من الغباء، والمجتمع المختلط قد يسر لكل من الرجل والمرأة التعرف والتقلب والصحبة والزمالة، ويسر أيضاً الخلوة الفاحشة، ولقد كانت ضريبة هذا هو النفور من الزواج وهدم الحياة الزوجية الحقيقية ففي الإحصائيات التي أخذت على طلاب بعض الجامعات ثبت أن أكثر من 90 بالمائة منهم لا يفكرون بتاتاً في زواج زميلة له في الجامعة وذلك أن الاختلاط الكامل بين الطلاب أفقد المرأة أخص صفاتها وأحظاها عند الرجل وهو شعور الرجل أنه قد فاز بشيء عزيز مكنون‏.‏ ومهما قيل عن هذا الشعور بأنه بدائي أو أنه شعور بالامتلاك والمرأة ليست سلعة و‏.‏‏.‏ و‏.‏‏.‏ الخ‏.‏ فإن الحقيقة أن الرجل بفطرته ما زال يشترط في المرأة أن تكون متاعاً خاصاً به وحده وأن تكون خالصة له من دون الناس‏.‏

رابعاً‏:‏ المال والغنى‏:‏

من الصفات التي لا غنى عنها مطلقاً، ولا اختلاف عليها بين الناس هو اشتراط الغنى في المتقدم للزواج، وأقل الغنى هو الكفاف والقيام بواجبات الزوجية‏.‏ وقد فسر العلماء حديث الرسول‏:‏ ‏[‏يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‏.‏‏.‏‏]‏ الحديث‏.‏ أن المقصود بالباءة هو نفقات الزواج وإمكان إعاشة الرجل للمرأة‏.‏ والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمرار قدرة الرجل على الإنفاق‏.‏

ولكن الناس ينظرون في الرجل الآن إلى كثرة المال لا مجرد الكفاف والغنى عن الناس وذلك بعد تعاظم الحياة المادية، وانفتاح الأساليب المذهلة للاستمتاع بالحياة واقتناء الزينة التي لا تقف عند حد في أثمانها أو أشكالها‏.‏‏.‏ والمسلمون فقط من يسألون عن طالب الزواج الغني كيف اكتسب ماله‏؟‏‏.‏

وذلك بعد أن فسدت وسائل الكسب في العصر الراهن وأصبحت المقامرات والرياء وبيع الأعراض والذمم والرشاوي من أعظم وسائل الكسب في هذه الجاهلية الحديثة‏.‏ ولا شك أن كل فتاة تريد السعادة الحقيقية يجب أن تعلم من أين اكتسب المتقدم للزواج بها ماله‏.‏ فالرجل الشريف العفيف نظيف اليد هو أولى الناس بأن يؤسس بيتاً قائماً على الاستقرار والسعادة، وأصحاب الدخول والأموال القذرة يتعاملون مع زوجاتهم بنفس تعاملهم مع الدينار والدرهم ويقدرونهم بقدر منافعهم المادية فقط‏.‏ باختصار تصبح المرأة عندهم كالسلعة تماماً‏.‏ تفقد قيمتها بالقدم ‏(‏وبروز الموديل الجديد‏)‏ وبنضوب المنافع المادية وقد كان من علامات الشرف ‏(‏علو المكانة والمنزلة‏)‏ في الجاهلية القديمة الكسب‏.‏

وذلك أن المتكسب المكافح العامل لا يقارن مطلقاً مع العاجز الكسول العالة على غيره‏.‏ ولذلك كان من أقسى أنواع الذم في الجاهلية هذا السب‏:‏

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

أي المطعوم المكسو‏.‏ وقد أتلفت الحياة الحاضرة قيمة الإنسان الحقيقية وذلك بالتوظيف الحكومي‏.‏ فالوظائف الحكومية الهرمية والتي يراعي فيها كثيراً الغش والنفاق والمحسوبية، رفعت أناساً يستحقون الوضع، ووضعت أناساً يستحقون الرفعة، وأصبحت السمة الغالبة أن نرى كل إنسان في غير موضعه بل لا نكاد أن نرى إنساناً في موضعه الصحيح من هذا الهرم الوظيفي المغشوش‏.‏

ولذلك فالتعويل على معرفة القيمة الحقيقية للإنسان من خلال الحسب والمال أصبحت لاغية تماماً في عصر اختلطت فيه موازين الكسب والتوظيف، ومع ذلك لن نعدم أيضاً التقييم الحقيقي للرجال الذين يلتزمون بالعفاف وطهارة اليد‏.‏

وليس اشتراط الغنى بالنسبة للمرأة مطلوباً على النحو الذي يطالب به الرجل وخاصة في المجتمعات التي يستطيع الرجال أن يكسبوا ما يكفيهم بسهولة ويسر، ولكن في المجتمعات الفقيرة، حيث يصبح عمل المرأة وكسبها ومالها جزءاً أساسياً للمعيشة أصبحت المرأة مطالبة بالمشاركة والمساهمة اللازمة في نفقات العيش‏.‏‏.‏ وهذا من أعظم فساد الحياة ومن أعظم البلاء الذي وفد إلينا من الحضارة الغربية المادية، وبذلك أصبح أمام المرأة عبئان‏:‏ عبء الحمل والولادة وتربية الأولاد والعناية بشئون المنزل، وعبء الخروج للتكسب والإنفاق‏.‏ والعجيب أن الذين يؤيدون خروج المرأة للعمل خارج البيت ليسوا قطعاً من الأمهات الذين لهم بيوت آمنة مستقرة وأولاد وإنما هم في جميع بقاع العالم إما أن يكن زوجات فاشلات أو عوانس مغبونات، وأما الأمهات الحقيقيات والزوجات الناجحات في كل بقاع العالم فيصرخن بأعلى أصواتهن أنه من الظلم للمرأة أن تطالب بوظيفتين وظيفة الفطرة ‏(‏الحمل والإرضاع والتربية‏)‏ ووظيفة المجتمع الظالم والقوانين الجائرة ‏(‏المساهمة في نفقات الأسرة وما يسمى ببناء المجتمع الاقتصادي‏)‏ وبالطبع فالرجال الذين لا يتسمون بالإنصاف والخلق يجادلون في خروج المرأة للعمل لمرض قلوبهم وإرضاء شهواتهم لا لنفع المرأة ونهضة المجتمع‏.‏

ولكن المشكلة الحقيقية في كل ذلك أن المجتمعات التي قطعت شوطاً بعيداً وراء الحضارة المادية قد جعلت خروج المرأة للعمل ضرورة حتمية أمام من يريد الزواج وذلك أن نفقات السكن والمعيشة لا يكفي لها راتب الزوج في المعتاد، وبذلك أصبح الشاب في خيار أن يستمر بلا زواج سنوات طويلة أو يعيش بما لا يتلاءم مع وضعه الاجتماعي والأخلاقي ويتزوج أو أن يتزوج من امرأة عاملة أو موظفة‏.‏

والذين يغامرون أو يغرون ويتزوجون من امرأة موظفة أو عاملة فهم يغامرون بسعادتهم واستقرار أسرهم، فالمرأة التي تدفع من راتبها على زوجها وأولادها لا يمكن أن تكون زوجة كاملة مطلقاً اللهم إلا إذا تحلت بأخلاق هائلة من الكرم وضبط النفس وعدم المن بالفضل، وهي صفات نادرة جداً في هذه الأيام‏.‏ وعلى كل حال ليعلم الرجال الذين يمدون أيديهم لزوجاتهم أن هذا يجب أن يكون عن طيب نفس تماماً، وليحذر أن يكون هذا وسيلة من وسائل الاستذلال مستقبلاً‏.‏ وقد عرفت عشرات الحالات لإخوان وأصدقاء كثيرين فشلت حياتهم الزوجية بسبب عمل وكسب زوجاتهم‏.‏ هذا عدا المتاعب الهائلة التي تسببها امرأة عاملة منهكة لزوجها وأسرتها وذلك بما تلقيه في بيتها من هموم العمل ومتاعبه ومشكلاته‏.‏ ولا يمكن أن نتصور بتاتاً كيف يمكن أن يكون هناك أسرة سعيدة حقاً في ظلال امرأة عاملة منهكة‏.‏

وأما الغنى الوراثي أو الذي حازته بغير طريق العمل اليومي فهو من المغريات لكثير من الرجال الذين يريدون الثروة السهلة الميسرة‏.‏‏.‏ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أسباب طمع الرجال في النساء كما قال‏:‏ ‏[‏تنكح المرأة لأربع‏]‏، وعد من ذلك المال فيجب أن نعلم أيضاً أن هذا المال لا يجوز أن يكون مسوغاً للزواج بالمرأة إلا إذا كان في يد امرأة عفيفة كريمة النفس تنفق منه على بيتها ولا تمن بإنفاقها‏.‏ هذا إذا كان الرجل راغباً في الزواج بالمرأة الغنية لا لأجل مالها فقط‏.‏ أما إذا كان لا رغبة له إلا المال فقط وقد عبر إلى هذا المال بطريق الزواج فهذا شأن آخر‏.‏ وما أظن أن عقد الزواج بهذه النية يكون صحيحاً مشروعاً، ولعل هذا أشبه بالنصب والاحتيال‏.‏ وتحتاج المرأة الغنية أيضاً التي تريد الزواج إلى أن تتريث طويلاً في قبول المتقدم لها حتى تتحقق أنه يريد من الزواج أموراً أخرى غير ثروتها وغناها‏.‏

خامساً‏:‏ الأخلاق‏:‏

عرفنا أننا يجب أن نبحث قبل الزواج عن ‏(‏المعدن‏)‏ النقي للإنسان وهذا المعدن صناعة إلهية ليست كسبية كما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لزيد الخير‏:‏ ‏[‏إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة‏]‏، قال‏:‏ يا رسول الله خصلتان جبلت عليهما أم تخلقت بهما‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏بل جبلت عليهما‏.‏‏.‏‏]‏ الحديث‏.‏ وهذا يعني أن هذا الصحابي قد خلق حليماً متأنياً قبل أن يكون مسلماً وهذه المعادن البشرية تتفاوت نقاوة وجودة‏.‏ ثم الدين وعرفنا أن المقصود بالدين حقيقة الدين لا ظاهره فقط والدين عاصم من الظلم والانحراف ومقيم للزوجين -إن أقاماه- على سنن الخير والسعادة والصلاح‏.‏

وإذا اجتمعت هاتان الصفتان في رجل أو امرأة صنعت الأعاجيب فنقاوة المعدن إذا صادفت فقه الدين وتشربت أحكامه أخرج هذا ثماراً طيبة من الخلق الكامل والعفة والطهارة والاتزان والصدق والوفاء والتفاني في خدمة الآخرين والاعتراف بالجميل‏.‏ وهذه الصفات كلها صفات لازمة ضرورية في الزوجين لكل زواج ناجح، وذلك أن الشذوذ والانحراف أو التقلب والتذبذب أو الجحود ونكران الجميل أو الكذب أو التعالي‏.‏‏.‏ واحدة من هذه الصفات في أحد الزوجين كافية لهدم السعادة الزوجية ومورثة للشقاء والهموم، ونحن نكشف عن طبيعة معدن الإنسان ‏(‏رجلاً كان أو امرأة‏)‏ وطبيعة دينه بمعرفة هذه الأخلاق؛ فالأخلاق الطيبة هي نتاج طيب للمعدن الطيب والدين الصحيح السليم، وأما الأخلاق الخبيثة فهي أيضاً نتاج خبيث للمعدن الخبيث والدين الكاذب أو الدين الباطل‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك‏}‏‏.‏ فعلى تفسير النكاح هنا بالزواج يكون المعنى لا يرغب في الزواج ممن اشتهرت بالزنا إلا مثيلها في هذا الخلق الذميم أو مشرك لا يقيم وزناً للأخلاق، وكذلك العكس لا ترغب المرأة في الزواج من رجل اشتهر بالفسق والفجور إلا أن تكون على شاكلته أو تكون مشركة لا دين يردعها عن مثل هذا النكاح‏.‏ وأعم من هذه الآية قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات‏}‏‏.‏ والآية على تفسير الطيبات والخبيثات بالزوجات، وعلى تفسير الطيبين والخبيثين بالأزواج، والخبث والطيبة هنا أوصاف للأخلاق الذميمة والطيبة وهذه الأخلاق كما أسلفنا القول ثمار للمعدن والدين‏.‏

سادساً‏:‏ الجمال‏:‏

الجمال هو الصفة التي يبحث عنها كل من الرجل والمرأة عند الآخر‏.‏ وهذه الصفة الظاهرية لها أثر عجيب في دوام العشرة وبقاء الألفة وبالرغم من أن الإنسان من حيث هو إنسان مخلوق في أحسن تقويم فإن التفاضل بين البشر في هذه الصفة متفاوت لدرجة كبيرة جداً‏.‏

ومع أن الناس أيضاً يتفقون على خطوط رئيسية للجمال إلا أنهم يختلفون أيضاً في الحكم على تفصيلاته وتفريعاته ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل‏]‏‏.‏ وترك النبي صلوات الله وسلامه عليه مسألة ما يدعو الرجل إلى الزواج من امرأة متروكاً إلى الشخص‏.‏

ولقد شدد النبي في هذه الناحية أعني اشتراط الجمال أو على الأقل اشتراط القبول لشكل المرأة ووجهها فقد جاء في الحديث الصحيح أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه خطب امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏هل نظرت إليها‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ‏[‏اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما‏]‏‏.‏ وهذا أمر يقتضي الوجوب في الحديث الآخر إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها ومعلوم أن النظر هنا بحث عن الجمال والشكل‏.‏ وليس عيباً ولا منافيا للدين والخلق والإحسان أن يرغب رجل عن زواج امرأة لأنها دميمة فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت‏:‏ إني أهب لك نفسي فرفع إليها نظره ثم ألقاه إلى الأرض وسكت ورغب النبي عن نكاحها لأنها لم تكن جميلة‏.‏‏.‏ حتى أنه قام صحابي بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها‏.‏‏.‏ فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن وكذلك ليس منافياً للدين والإحسان والخلق الكامل أن يشاهد رجل امرأة جميلة فيرغب في الزواج منها لذلك، وقد فعل هذا سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه فما تزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها إلا لملاحتها وجمالها بعد أن رآها في السبي وكان زواجه منها خيراً عميماً على أهلها جميعاً‏.‏ وما يريده الرجل في المرآة تريده أيضاً المرأة في الرجل وإن كانت المرأة بوجه عام مطلوبة لا طالبة إلا أنها أيضاً تنتظر أن يتقدم إليها الوسيم الجميل ولا ينافي الخلق الطيب والاستقامة للمرأة المسلمة أن ترفض رجلاً ليس بجميل وإن كان على دين وخلق، وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيس بن شماس وزوجته لأنها كرهته لدمامته، وكذلك لا ينافي تقواها ودينها أن تطلب وترجو أن يتقدم إليها الوسيم الجميل‏.‏

وهذا الذي قدمنا بأدلته نسوقه للذين يظنون أن الدين لا يقيم اعتباراً لهذه القضية التي يظنونها من نتاج الفكر المادي وأهل الشهوات والدنيا‏.‏ وهذا الفهم فهم خاطئ سخيف لأحكام الدين في هذه القضية‏.‏

ومع ذلك يجب علينا أن نضع قضية الجمال مكانها من حيث مجموع الصفات المثالية التي يبحث عن توفرها في الزوج الصالح والزوجة الصالحة، فالجمال حقاً شكل وظاهر ومع ذلك فهو مراد ومطلوب ومحبوب ومرغوب ديناً وطبعاً وإن كان الجمال في ذاته صفة وهبية من الخالق سبحانه وتعالى ولا كسب للإنسان غالباً فيه ولكننا أيضاً شرعاً وديناً في حرية وإباحة للتخير والمفاضلة وهذا من رحمة الله وتوفيقه‏.‏ ولكن المنهي عنه شرعاً أن تغلب هذا الظاهر على الجوهر الأساسي للإنسان من الأصل والدين‏.‏ بل يجب علينا أن نضع الجمال في المستوى والحد اللائق به والمتناسب مع الصفات العامة التي يجب علينا مراعاتها في اختيار شريك الحياة‏.‏

سابعاً‏:‏ البكارة‏:‏

البكارة من ‏(‏الصفات‏)‏ المحببة في الزواج لدى الرجل والمرأة ‏(‏يقال رجل بكر وامرأة بكر أي لم يسبق لهما زواج‏)‏‏.‏ وهذه الحالة نسميها صفة تجاوزاً‏.‏ وقد جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الحض على زواج البكر كما في حديث جابر في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله ماذا تزوجت قال‏:‏ ثيباً يا رسول الله ‏(‏والثيب هي المرأة التي سبق لها زواج‏)‏ فقال له الرسول‏:‏ ‏[‏هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك‏]‏‏.‏

وفي الحديث التعليل لزواج البكر بأنه للملاعبة والسبب أن البكر التي لم يسبق لها زواج تتفتح طاقاتها النفسية والعاطفية والجسدية على لقائها الأول مع الرجل سواء كان لقاء شرعياً أم سفاحاً، وشتان بين ما يخلقه لقاء النكاح ولقاء السفاح‏.‏ فلقاء النكاح يورث الحب والألفة والتراحم ولقاء السفاح يورث البغضاء والندم والشعور بالإثم والألم من مواجهة المستقبل ويعرض المرأة إلى الاستذلال سواء تزوجت برجل آخر أو تزوجت بمن واقعها سفاحاً‏.‏ وقد كان فعل الرب حازماً مع المرأة إذ جعل غشاء البكارة خاتماً ودليلاً على الطهارة والعفة وذلك أن رحم المرأة هو مستقر الولد، وأولاد السفاح من أعظم الفساد في الأرض‏.‏

والفلسفات المادية والحديثة والدراسات النفسية وخاصة المنحى ‏(‏الفرويد‏)‏ قد هون من شأن العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة زاعماً أنه ينبغي أن ينظر إليه كالنظر إلى الطعام والشراب وأنه لا يجوز أن نحيطه بسياج الأخلاق والدين والتقاليد والعادات التي تحدد من إشباع الإنسان في هذه الناحية‏.‏ وزاعماً أيضاً أن الجنس هي الغريزة التي يدور الوجود كله عليها فالسموات والأرض والبشر ما خلقوا إلا لممارسة الجنس وإذا كان هذا هو غاية خلقهم فلا يجوز أن توضع حدود وعقبات أمام هذه الغاية‏.‏ هذه هي خلاصة العقيدة الفرويدية التي صبغت وجه الحضارة الحديثة وكان لها أعظم الأثر في الثورة الجنسية التي يعيشها العالم في هذا العصر الراهن‏.‏ وبالرغم من هذه الفلسفة الخائنة المغلوطة فإن الانحراف ما زال في جميع المجتمعات على السواء ينظر إليه باحتقار وازدراء حتى تلك المجتمعات المادية التي تركت الدين منذ مدة طويلة؛ وذلك أن نداء الفطرة ما زال يأبى هذا الانحراف ونحن -المسلمين- الذين لم تتدنس نفوسنا بعد، وما زال الدين حياً في نفوسنا يدعونا إلى الاستقامة والعفة، نمجد الفضيلة والعفاف ونزدري السقوط والانحراف‏.‏

المهم أن البكارة شيء محبب وصفة من الصفات التي يحرص عليها اللهم إلا إذا كانت هناك مصالح في الزواج ترجح صفة أخرى كما أقر رسول الله جابراً الذي تزوج ثيباً عندما قال‏:‏ إن أبي قتل شهيداً في أحد وترك تسع بنات فلم أرد أن أضيف إليهن واحدة مثلهن وإنما أحببت أن أتزوج ثيباً تقوم عليهن وتمشطهن‏.‏ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏فنعم إذن‏]‏‏.‏ والشاهد أن المرأة البكر أحظى لدى زوج يريد امرأة تبحث عن كنف ومرشد ورجل قوام عليها وهذه الحاجة الفطرية في المرأة عموماً ولكنها في البكر أشد‏.‏

ويبدو أن هذه القضية عكسية تماماً في الرجل البكر فهو أشد مراساً وأقسى طباعاً في معاملة زوجته وإن كان أحلى عشرة وأبهج حياة‏.‏ وأما الرجل الثيب فإنه أطوع للمرأة وأضعف أمام رغباتها ولكنه مع ذلك أنكد عشرة وخاصة كلما تقدمت به السن وعلاه الشيب ولا يظنن ظان أن الضعف والطواعية للمرأة من أسباب سعادتها ولكنه في الحقيقة من أسباب شقائها وتعاستها‏.‏ وهذا من قوانين الفطرة الصارمة التي لا تتخلف‏.‏

فالواجب علينا إذن أن نضع هذه الصفة ‏(‏البكارة‏)‏ في مكانها الصحيح أيضاً من الصفات المثالية التي ننشدها في الرجل والمرأة ولتعلم الفتاة أن مستقبل حياتها الزوجية مرهون بالمحافظة على الخاتم الذي وضعه الخالق البارئ‏.‏ وأن التفريط في هذا الشيء العزيز الذي لا يرتق هو بمثابة خسارة لا تعوض‏.‏ وإذا كان على المرأة أن تبحث عن الرجل البكر أيضاً فيجب أن يكون أيضاً بحيث يصلح مرشداً وهادياً وقواماً ولذلك فزواج الأقران ‏(‏الذين في سن واحدة‏)‏ من أفشل الزواج لأن الأسرة لا ينتظم أمرها إذا كان الزوجان ندين‏.‏ وقانون الفطرة أن تسعد المرأة فيمن تجد عنده مع الحب والحنان والعطف والرعاية والقوامة والرجولة‏.‏

فالقوامة والرجولة صفتان أساسيتان لزواج سليم‏.‏ ‏(‏وسيأتي إن شاء الله تفصيل كامل لمعنى القوامة‏)‏‏.‏ وكذلك على الذين يتزوجون امرأة ثيباً ألا يتعلقوا بمستقبل وهمي من التطبع والامتاع النفسي والجسدي الذي يوجد لدى الأبكار وأن يعلق أمله فقط بالمنافع الممكنة من هذا الزواج وليس بالمنافع المستحيلة‏.‏ وكذلك يستحسن أن تنصرف الفتاة عن زواج قرنها ومساويها في السن ما أمكن إلا أن تكون على استعداد للتنازل أحياناً عن فهمها وعلمها ورأيها مع تحققها أنه صواب حفاظاً على حياتها الزوجية‏.‏ وأما اللاتي يقدمن للزواج من كبار السن من الرجال فيجب عليهن أيضاً أن تعرف الممكن الذي يستطيع الرجل أن يقدمه للمرأة من مال ومتاع ونحوه أو من فضائل أخروية كأن تقبل الزواج برجل كبير احتساباً لله لخدمته ورحمة لشيخوخته، وكما يفعل من يتزوج امرأة ليرعى عيالها أو يؤنس وحدتها ووحشتها، فليس الزواج للمنافع المادية الدنيوية فقط‏.‏ لكنه أيضاً مجال واسع للمنافع الأخروية وطلب الحسنات والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى‏.‏ والمهم أن الإنسان إذا عرف هدفه وغايته ولم يطالب بالمستحيل استراح وأراح وإنما إذا تعلق بالأوهام وطالب بالمستحيل وأقدم على الأمور بجهل عواقبها خاب أمله وضل سعيه‏.‏

ثامناً‏:‏ الشرف والحسب‏:‏

جاء في الحديث الصحيح أن الحسب أحد الأسباب التي تغري الرجال بالزواج من النساء‏.‏ والحسيبة هي المرأة الشريفة ذات المكانة والمنزلة، والشرف هنا يعني العلو والرفعة ‏(‏ويستعمل الشرف عرفاً الآن بمعنى العفة وهو استعمال غير سليم‏)‏ ولا يلزم من وجود الحسب وجود المال والغنى فالشرف والحسب يعني الشهرة والرفعة والسيادة وكان الناس وخاصة في جاهلية العرب يشتهرون ويبلغون أعظم منازل الشرف ولا مال لهم وإنما لكرم أصولهم وكريم شمائلهم وأخلاقهم‏.‏ فحاتم الطائي مثلاً كان سيداً في قومه‏.‏ ولم يكن غنياً، وبنو هاشم كانوا في القمة من أقوامهم شرفاً وحسباً ولم يكونوا أغنياء بمعنى الثراء والمال وكانت العرب تقدس الأخلاق وتعتني بالأصول القبلية ولا تقيس شرف الناس إلا بذلك، ولقد تغيرت هذه الموازين في جاهليتنا الحديثة وأصبح المال والثراء والمركز الوظيفي هي مقومات الشرف والمكانة وإليها ينسب الحسب في الوقت الراهن‏.‏ وأما العناية بالأصول والقبائل فما زال معمولاً بها في البوادي أو القبائل التي تحضرت حديثاً، وكلما أوغل المجتمع في التحضر الحديث هدمت هذه الأعراف والتقاليد‏.‏ وقد ناقشنا في البند السابق النظرة الصحيحة للثراء والغنى وما منزلة ذلك في زوج سعيد مثالي وعليه فالحسب الآن مرتبط بالنظرة إلى المال والمركز الوظيفي‏.‏

وأما الأعراف البدوية أو المتحضرة حديثاً فبالرغم من أنها امتداد لأعراف الجاهلية القديمة إلا أن هناك جوانب من الحق في هذه الأعراف والتقاليد لا ينبغي أن نساعد على محوها فبعض القبائل فقدت سمتها وباءت بالعار لدى القبائل لما كانت تمارسه من دعارة وسقوط خلقي وانحراف، وكان الامتناع عن الزواج والمصاهرة بهذه الأصول فيها جانب من جوانب الحق، كما أن قبائل ‏(‏النَوَر والغَجَر‏)‏ الطوافة لا يخفى على مطلع الأساليب التي كانت تتكسب بها من الدعارة والعرافة والسرقة ونحو ذلك، وكان وما زال الامتناع عن المصاهرة بهذه الأصول شيئاً مقرراً في الشريعة، وإن كانت وسائل الإعلام في بعض الدول تعمل جاهدة الآن على محو هذه التقاليد وهذا لإفساح المجال نهائياً أمام الانحراف‏.‏

والإسلام وإن جاء يدعو الناس إلى أن أصلهم واحد وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى إلا أنه أخبر أيضاً بالأمر بالتنافس في الفضائل والبعد عن الرذائل والتقوى التي جاء الإسلام بالأمر بتحصيلها لا تحصل إلا إذا رافق الدين طبعاً نقياً، ونفساً صافية وخلقاً مساعداً وعلى كل حال ينبغي أن نضع الأحساب في موضعها الصحيح فالحسب والشرف بالمعنى الصحيح ينبغي أن يكون هو المعدن الطيب والخلق الكريم والدين ‏(‏وقد ناقشنا هذا فيما سبق‏)‏ وأما الشهرة التي انبنت على شيء آخر فهي بما لا يقيد به في الحسب والشرف‏.‏

والمرأة الحسيبة إذا لم يكن لها من الدين والخلق ما يعصمها عن التعالي على زوجها فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى النشوز أو التبعية وانهيار دور الرجل في بيته وكلاهما مدمر للحياة الاجتماعية‏.‏ فالمرأة المتعالية عن زوجها ‏(‏الناشز‏)‏ لا يمكن أن يوصف زواجها بأنه ناجح أو أنها سعيدة‏.‏ وكذلك المرأة التي تملك رجلاً قد تخلى عن دوره في منزله من حيث القوامة والرجولة لا يمكن أن تعيش سعيدة أيضاً وأشقى الرجال من يعيش مع امرأة متعالية عليه وغير راضي بذلك وكذلك من يعيش مع امرأة متعالية عليه وهو راض بذلك‏.‏

والرجل الحسيب لا شك أنه أحظى لدى المرأة وأحب إليها من رجل عاطل عن ذلك، ولكن هذا الحسب إذا لم يزينه الخلق الكريم والدين الصحيح فإنه ينقلب إلى إذلال للمرأة وتعالٍ عليها وذلك إذا لم تسامه شرفاً ومكانة‏.‏ والنفوس في تطبعها بطابع الإسلام وتخلقها بأخلاقه ليست سواء ولذلك رأينا كيف رفضت زينب بنت حجة رضي الله عنها الزواج بأسامة وتزوجته كارهة ثم ضايقته حتى طلقها وما ذلك إلا لنفاستها عليه ونزول مكانته عندها وذلك بالرغم من كونه بكراً ولم تكن كذلك وعلى كل حال فيجب أن نراعي تلك الموازين كلها الخاصة بالحسب والمنزلة الاجتماعية عندما نقدم على الزواج‏.‏ والإسلام فيه حل لكل هذه المشكلات ولكن نعيد القول ثانياً ليست كل النفوس سواء في التزامها بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم بآداب الإسلام وأخلاقه، ونحن نتعامل مع البشر وللبشر قصورهم وعجزهم وضعفهم وتقاليدهم وأعرافهم، وبالرغم من أن الدين يجب أن يصلح كل هذه الأمور إلا أن الدين ليس ضربة لازب، في إصلاح كل النفوس في كل الأحوال وكل الظروف، ولا نستطيع أن ننفي الدين عن رجل يسرت له امرأة متدينة صالحة ولكنها دميمة فقيرة لا حسب لها فأبى الزواج منها‏.‏ وكذلك لا نستطيع أن ننفي الدين عن امرأة تقدم لها رجل مسلم صالح ولكنه دميم فقير لا حسب له فقالت لا أستطيع الزواج منه‏.‏ ولذلك وضعنا كل هذه الاعتبارات والصفات التي أسميناها ‏(‏مثالية‏)‏ في الرجل والمرأة ليعلم إخواننا الشباب والشواب كيف يختارون لأنفسهم ومتى يقبلون ومتى يرفضون‏.‏

 الخطبة

أحكامها وآدابها

الخطبة هي المقدمة والمدخل إلى عقد النكاح وهي في ذاتها عقد ابتدائي لإعلان القبول بالزواج بين طرفين، والخطبة المشروعة لا بد أن نتبع فيها ما يأتي‏:‏

1- النظرة إلى المرأة قبل الخطبة‏:‏

يجب على من وقع في قلبه امرأة أن ينظر إليها قبل التقدم لخطبتها وهذا النظر واجب للأحاديث الآتية‏:‏

1- حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما‏]‏ أي أن إعجابك بها أحرى بأن تدوم العشرة بينكما‏.‏ رواه الخمسة إلا أبا داود‏.‏

2- حديث أبي هريرة قال‏:‏ خطب رجل امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً‏]‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏

وليس عندنا في السنة -على ما أعلم- تحديد لحدود هذا النظر وكيفيته فما يجوز للمرأة كشفه أمام الأجانب هو الوجه والكفان ‏(‏على خلاف بين السلف والفقهاء‏)‏ فهل النظر إلى هذا فقط أم إلى هذا وغيره‏؟‏ تشدد بعض الفقهاء، فقال بأن النظر للخطبة لا يجوز إلا للوجه والكفين فقط‏.‏ ووسع آخرون إلى ما يبيحه العرف الإسلامي، ولا شك أن هذا إفراط وذاك تفريط، والوسط هو العدل‏.‏ من ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏[‏إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل‏]‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الشافعي وعبدالرزاق والحاكم وصححه وقال الحافظ رجاله ثقات، قال الشوكاني‏.‏‏.‏ وفي إسناده محمد بن إسحاق، وأعلنه ابن القطان بواقد بن عمرو‏.‏‏.‏ فإن صح الحديث فهو حجة لأكثر من الوجه والكفين، وقد جاء عن بعض السلف أنهم نظروا عند الخطبة لأكثر من ذلك‏.‏

2- الخلوة ليست من المباحات‏:‏

هذا وليست الخلوة بالأجنبية جائزة، ولو رغب في زواجها للأحاديث الكثيرة التي جاءت بالنهي عن ذلك فمن ذلك حديث جابر عند أحمد‏:‏ ‏[‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان‏]‏، وحديث عقبة بن عامر في البخاري ومسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إياكم والدخول على النساء‏]‏ فقال رجل من الأنصار‏:‏ يا رسول الله أفرأيت الحمو فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الحمو الموت‏]‏، ويشهد لهذين الحديثين حديث ابن عباس المتفق عليه أنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم‏]‏‏.‏

فلهذه الأحاديث فإنه يجب أن يعلم أن الخلوة ليست بجائزة ولو لطالب الزواج إلا أن تكون الخلوة مع محرم للمرأة‏.‏

3- الخطبة على الخطبة‏:‏

يجوز إذا تقدم رجل لخطبة امرأة أن يتقدم ثان وثالث وأكثر من ذلك ما لم توافق على واحد منهم‏.‏ فإن وافقت المرأة وأولياؤها على واحد من الخطاب فلا يجوز لأحد التقدم إلى الخطبة بعد ذلك لأن هذا منهي عنه نهياً شديداً وهو من أسباب نشر العداوة والبغضاء في المجتمع المسلم‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك‏]‏ رواه البخاري وفي رواية أخرى قال‏:‏ ‏[‏لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخطاب قبله أو يأذن له الخاطب‏]‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏

وأما لو وقع هذا فما الحكم‏؟‏

قال بعض الفقهاء يفسح نكاحها من الثاني ‏(‏الذي خطب الرجل على خطبة أخيه‏)‏ وترد إلى الأول‏.‏ وجعلوا هذا من مبطلات عقد النكاح، وجعل البعض هذا غير مبطل للعقد ولكنه معاقب عليه شرعاً فعند هؤلاء لا يبطل العقد إن وقع وإن كان فاعل هذا يستحق التعزير والمجازاة‏.‏

ونرى أن الخطبة عقد جائز ولم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على ترتب حقوق معينة بالفسخ فإذا وقعت الخطبة على الخطبة فلا نرى بطلان زواج الثاني وإن كنا نرى أنه ظالم وأنه يجب عليه الرجوع عن خطبته وأنه مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة وكذلك من وافقه من المرأة والأولياء، ولما كان الأصل في عقد الزواج التراضي كما سيأتي في شروط النكاح فإننا نرى أنه لا يجوز أن يعقد عقده مع الإكراه أبداً‏.‏

4- الخطبة في العدة‏:‏

هناك أوقات وحالات لا يجوز أن يتقدم فيها إلى خطبة النساء وهي‏:‏

‏(‏أ‏)‏ عدة المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً‏.‏ فلا يجوز في عدة الطلاق أن يتقدم رجل بخطبة هذه المرأة حتى تنتهي عدتها وذلك أن ‏(‏الرجعية‏)‏ ما زالت معلقة بحبل الزواج طالما هي في العدة‏.‏ وأما البائن وإن كان لا يجوز أن ترجع إلى زوجها إلا بعد نكاح آخر فإن هناك اتفاقاً على أنه لا يجوز ذلك ولم يأت في الكتاب والسنة ما يبيح ذلك‏.‏ هذا ولا يجوز أيضاً التعريض بخطبتها‏.‏

‏(‏ب‏)‏ عدة الوفاة‏.‏ المرأة التي يتوفى عنها زوجها لا يجوز لأحد التقدم لخطبتها حتى تمر عليها أربعة أشهر وعشر أو تضع حملها إن كانت حاملاً‏.‏ ولكن يجوز أن تشعر بالخطبة تعريضاً وتلميحاً لا تصريحاً‏.‏‏.‏ كأن يقال لها‏:‏ ‏"‏إني أبحث عن امرأة فاضلة وأود لو أنني وفقت لذلك‏"‏ ونحو هذا من العبارات التي تفهم الرغبة في الزواج وليست نصاً صريحاً في الخطبة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم‏}‏‏.‏‏.‏ ‏(‏البقرة‏)‏‏.‏

تعقيب‏:‏ من بدع الخطبة في العصر الراهن‏:‏

من الأحكام السابقة يظهر لنا أن الخطبة في الشريعة الإسلامية اتفاق على الزواج، وأنها لا تحل شيئاً من المخطوبة غير النظر إليها قبل الخطبة، وأنه لا يترتب على فسخها شيء من الحقوق، ولا يشترط لعقدها حضور شهود ولكن لو تمت بحضور شهود فلا بأس بذلك وأنه يستحسن أن يكون من الأولياء أعني ولي المرأة ونائباً عن الرجل وأن هذه الخطبة تمهيد لعقد الزواج الذي يتوقف على الحقوق والواجبات الخاصة بكل من الزوجين عليه‏.‏

والخطبة في شريعة المذاهب المحرفة غير ذلك فهم يعتبرونها عقد يبيح للخاطب كل شيء في مخطوبته إلا النكاح كالنظرة والخلوة والاستمتاع بكل شيء عدا النكاح ولذلك تعقد أمام الكاهن وبشهود وبتقديم مهر‏.‏ ولأنه يقام في هذه الخطبة حفل كهنوتي خاص والحفلات من الأمور التي يقلد الناس فيه بعضهم بعضاً فإنه سرى إلى المسلمين عدوى هذا الاحتفال بالخطبة والعادات والتقاليد التي تصنع فيه كتبادل ‏(‏الخواتم‏)‏ والشراب ودفع مهر يسميه الناس ‏(‏الشبكة‏)‏، ويصبح الخاطب بعد هذه الحفلة أشبه بالزوج يخلو بخطيبته ويسافر بها، بل ولا يستنكر الناس استمتاعه بها فيما عدا الجماع وذلك كالشرائع المحرفة سواء بسواء، وقد أدى هذا إلى فساد كبير فكثيراً ما تفسخ الخطبة من قبل الخاطب أو المخطوبة وحيث إنه لا يترتب على ذلك حقوق معروفة في الشريعة الإسلامية فإن المشاكل تحدث حول رد الهدايا، والشبكة وما قد يكون الخاطب قد خسره في أثناء فترة الخطبة التي قد تمتد عند بعض الناس إلى سنوات هذا عدا الفساد الذي كثيراً ما يحدث بالخلوة والتقاط الصور التي تكون أحياناً وسيلة إفساد وإضرار بالمرأة عند فسخ الخطوبة‏.‏

ولذلك فإننا نحذر إخواننا المسلمين من هذه العادات السيئة التي انتشرت فينا باتباعنا سنن الضالين في زواجهم وأن يكتفي في الخطبة بالإعلام والإشعار فقط وإظهار الموافقة من قبل أولياء المرأة، والاقتصار في الخطبة على ما لا يكلف الخاطب أو المخطوبة ما لا يندم بعضهم عليه عند الفسخ‏.‏

ولا يجوز قولاً واحداً للخاطب الاطلاع من خطيبته إلا على ما يجوز للأجنبي الاطلاع عليه‏.‏

ونرى أيضاً أن تبادل ‏(‏الخواتم‏)‏ من شريعة غير المسلمين وإن كانت قد انتشرت في المسلمين فليس انتشارها أبداً - دليلاً على جوازها‏.‏

وبهذا نعلم أنه لا يترتب على فسخ الخطبة آثار معينة على الرجل أو المرأة لأن الخطبة على النحو الإسلامي تكون مجرد اتفاق مبدئي على الزواج، فإذا ألغي فلا أثر يترتب عليه لأنه لم تحصل مخالطة أو مهر ‏(‏هذا الذي يسمونه الشبكة‏)‏ أو غير ذلك‏.‏

أما إذا كان الشخص قد تورط ودفع شيئاً من هذا عند الخطبة فنرى أنه لا يجوز للرجل أن يسترده إذا كان الفسخ منه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه‏]‏، وهذه هبة لامرأة كان ينوي الزواج بها فإذا صرف نظره فلا يجوز له العود في هذه الهبة‏.‏

وأما إذا كان الفسخ من قبل المرأة فنرى أنه يجب عليها أن ترد ما أخذته منه إذ هل يستحل مالاً من صاحبه بغير عوض وبغير طيب نفس منه‏.‏ وإذا كان الله قد أذن للرجل أن يأخذ المهر الذي دفعه لزوجته إذا كان طلب الطلاق منها فمن باب أولى أن ترد المخطوبة ما أخذته من الرجل ما دام أن الفسخ منها‏.‏

 شروط عقد النكاح

مفهوم العقد‏:‏

العقد اتفاق ما بين طرفين يلتزم كل منهما تجاهه بواجبات معينة ولكل من الطرفين حقوق لدى الطرف الآخر ولكل عقد آثار تترتب عليه‏.‏ فعقد البيع مثلاً يترتب على حصوله استمتاع المشتري بالسلعة، وانتفاع البائع بالثمن‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏}‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏

مفهوم الشرط‏:‏

والشرط في إصطلاح العقود ولغة التشريع هو ‏(‏الشيء‏)‏ الذي لا بد من وجوده لصحة العقد‏.‏ فإذا انتفى بطل العقد‏.‏ كما سنعلم أن التراضي مثلاً بين الزوجين شرط لصحة العقد‏.‏‏.‏ وكما نقول الوضوء شرط لصحة الصلاة‏.‏

مجمل شرط عقد النكاح‏:‏

نستطيع أن نجمل شروط عقد النكاح فيما يأتي‏:‏ التراضي - الولي ‏(‏للمرأة فقط‏)‏ - والشهادة - والمهر - والعفة ‏(‏الإحصان‏)‏ - والكفاءة‏.‏‏.‏ والصيغة الدالة على النكاح وهذه شروط سبعة وإليك تفصيلها وبيانها‏:‏

أولاً‏:‏ التراضي‏:‏

عقد الزواج اختياري ولا يجوز فيه الإكراه بوجه من الوجوه وذلك أنه يتعلق بحياة الزوجين ‏(‏الرجل والمرأة‏)‏ ومستقبلهما وأولادهما ولذلك فلا يجوز أن يدخل طرف من طرفي العقد مكرهاً‏.‏ أما بالنسبة للرجل فهذا مما لا خلاف فيه‏.‏ وأما بالنسبة للمرأة فالأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها‏]‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري عن ابن عباس‏.‏ وفي رواية لأبي هريرة‏:‏ ‏[‏لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن‏]‏‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، وكيف إذنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏أن تسكت‏]‏ رواه الجماعة‏.‏

وعن عائشة قالت يا رسول الله‏:‏ تستأمر النساء في أبضاعهن، قال‏:‏ ‏[‏نعم‏]‏، قلت‏:‏ إن البكر تستأذن وتستحي‏.‏ قال‏:‏ ‏[‏إذنها صماتها‏]‏‏.‏ ‏(‏رواه البخاري ومسلم‏)‏‏.‏

وهذه الأدلة جميعها نص في أنه لا سبيل على المرأة بإجبار في النكاح ثيباً كانت أو بكراً وأن الفرق بينهما إنما هو الفرق في صورة الإذن فالثيب -عادة- لا تستحي من الكلام في الزواج، ولذلك فهي تخطب إلى نفسها أو ترضى وتأمر وليها بولاية عقد نكاحها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏تستأمر‏]‏ أي يطلب أمرها‏.‏ وأما البكر فالغالب عليها الحياء ولذلك تخطب من وليها والولي يستأذنها فإن أذنت بمقال أو بسكوت يدل على الرضا تزوجت وإلا فلا‏.‏

ولقد خالف في هذا الحكم بعض الأئمة والفقهاء مستدلين بزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بعائشة وهي ابنة ست سنين ولا تعي مثل هذا الإذن، ولا دليل في ذلك لاختصاص الني صلى الله عليه وسلم في الزواج بخصوصيات كثيرة كالزيادة على أربع، والزواج بغير ولي وشهود من أي امرأة تهب نفسها له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ وهذا الزواج بعائشة على هذا النحو من جملة خصوصياته جمعاً بين الأدلة‏.‏

واستدلوا كذلك بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب في الإذن وقالوا إنه يجوز إجبار البكر على الزواج، وهذا خطأ فاحش لأن التفريق إنما هو في بيان صورة الرضى والإذن فقط‏.‏ ويدل على خطأ القول بإجبار البكر ما رواه ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدار قطني‏)‏‏.‏

وكذلك ما رواه ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية حارثة، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبدالله‏:‏ وهما خالاي‏.‏ فخطب إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبتا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله‏:‏ ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح، ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول الله‏:‏ ‏[‏هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها‏]‏‏.‏ قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة‏.‏ ‏(‏رواه أحمد والدارقطني‏)‏‏.‏

وهذه جميعها أدلة صحيحة واضحة أنه لا يجوز الإجبار مطلقاً وخاصة مع اليتيمة التي قال الله في شأنها‏:‏ ‏{‏وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ أي إن خفتم أن لا تعدلوا عند زواج اليتيمة في المهر وغيره فاتركوها إلى غيرها‏.‏ وهذا حتى تنصف المرأة وتوضع حيث تريد لا حيث يشاء من يتولى أمرها ويتسلم ولايتها‏.‏

ثانياً‏:‏ الولي‏:‏

ولاية المرأة بنفسها عقد الزواج مستنكرة فطرة وذوقاً، ووسيلة إلى الفساد والزنا باسم النكاح، ولذلك جاء الشرع باشتراط مباشرة عقد النكاح بواسطة ولي المرأة‏:‏ أبوها، أو أخوها أو الأقرب بها، فالأقرب، ولا يكون ولياً للمرأة إلا أقرب الناس الأحياء إليها فالأب أولاً ثم الأخ وهكذا‏.‏‏.‏

والأصل في اشتراط الولي قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا نكاح إلا بولي‏]‏ وقوله‏:‏ ‏[‏أيما امرأة نكحت ‏(‏أي تزوجت‏)‏ بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له‏]‏ ‏(‏رواه الخمسة إلا النسائي‏)‏‏.‏

واشتراط الولي يقول فيه ابن المنذر‏:‏ إنه لا يعلم مخالفاً من الصحابة له وذهب أبو حنيفة من الفقهاء إلى عدم اعتبار الولي في النكاح‏.‏

والأحاديث السابقة ترد على هذا القول‏.‏ واعتبر الإمام مالك رحمه الله الولي شرطاً في الرفيقة من النساء ‏(‏ذات الشرف والمنصب‏)‏ دون الوضيعة ‏(‏التي تكون من ضعفة الناس وسقطهم‏)‏ وهذا التفريق لا مسوغ له‏.‏ بل قد يكون الاشتراط في الوضيعة ألزم منعاً للزنا والفساد‏.‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الشاهدان‏:‏

لا بد لصحة العقد أن يشهد عليه شاهدان عدلان، وقد جاء في هذا أحاديث لا يخلو واحد منها من مقال وضعف، ولكن عامة أهل العلم من المسلمين على العمل بذلك وبهذا أفتى ابن عباس وعلي وعمر رضي الله عنهم، ومن التابعين ابن المسيب والأوزاعي والشعبي، ومن الأئمة الأربعة أحمد والشافعي وأبوحنيفة‏.‏ وهذا القول هو الموجب لحفظ الحقوق عند كل من الرجل والمرأة، وضبط العقود، ومن ألزم العقود بالضبط عقد النكاح ووقوعه بغير شهود مدعاة للفساد والتلاعب أو النسيان وضياع الحقوق ولذلك أصبح وكأنه معلوم من الدين بالضرورة ولا نرى أن يخالف في هذا أحد من أهل العلم‏.‏‏.‏

رابعاً‏:‏ المهر ‏(‏الصداق‏)‏‏:‏

اشتراط الشارع الحكيم لصحة عقد النكاح أن يكون هناك مهر مقدم من الرجل للمرأة‏.‏ ولا يعنينا كثيراً البحث في فلسفة المهر وأنه عوض عن ماذا‏.‏ ويهمنا الحكمة العظيمة منه فهو هدية للمرأة وتطييب لخاطرها، ولذلك فهو ملك لها ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو شيء منه لزوجها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً‏}‏ وهذه الآية قد جمعت أحكام الصداق فهو نحلة أي هدية وعطية كما نقول نحلت فلاناً كذا وكذا أي وهبته وتنازلت له‏.‏ وهي نحلة واجبة للأمر الصريح بذلك في هذه الآية وقد جاء في السنة ما يقصد ذلك، وهو ملك للمرأة يجوز لها أن تتنازل لزوجها عن شيء منه ويحل لزوجها أكل ذلك دون حرج ما دام بسماح زوجته وإذنها‏.‏ والنظر إلى المهر على هذا الأساس أكرم من النظر إليه على أنه ثمن لبضع المرأة، فالزواج ليس بيعاً وشراءً ولكنه رباط مقدس لاستمرار الحياة وتبادل المنافع وللتراحم والتآلف والحب، والبيع والشراء محله المشادة والغش والمناورة ولا يجوز أن يكون عقد الزواج كذلك ولذلك كان النظر إلى المهر على أنه نحلة وهدية هو الواجب لأن الهدية والعطية تكون بين الأحباب بعكس البيع والشراء‏.‏

ولما كان المهر هدية ونحلة لم يأت في الشرع تحديد لأقله وأكثره وإنما ترك للمقدرة والأريحية وقد زوج الرسول رجلاً وامرأة من المسلمين على تعليم آيات من القرآن الكريم وذلك لما لم يكن عنده شيء يصلح أن يكون مهراً حتى أن الرسول قال له‏:‏ ‏[‏التمس ولو خاتماً من حديد‏]‏، فلم يجد فزوجه إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن‏.‏

وبالرغم من أن الشارع لم يحدد نهاية للمهور إلا أنه حبب للمسلمين الاقتصاد فيها ونهى عن المغالاة التي تؤدي إلى أوخم العواقب‏.‏

وقد جاوز الناس في زماننا حد المعقول في المهور وأصبح ينظر إلى المهر على أنه ثمن وغنيمة وصفقة يكسب من ورائها آباء البنات وبهذا عظمت المصيبة ووضع أمام الزواج عقبة كأناء ‏(‏وسنناقش هذه المشكلة على حدة في مشكلات الزواج إن شاء الله تعالى‏)‏ والمهم هنا بيان أن المهر شرط في صحة عقدة النكاح وأنه حق المرأة الخالص ولا يجوز لأبيها أن يأخذ منه إلا بإذن ابنته وكذلك لا يجوز للزوج أن يسترد شيئاً من المهر إلا بسماح زوجته، وأن المهر هدية ومنحة وليس ثمناً وعوضاً كما ذكر بعض الفقهاء ذلك وأن خير المهر ما كان أيسره وفي حدود الطوق والوسع‏.‏

خامساً‏:‏ الإحصان‏:‏

اشترط الله سبحانه وتعالى على المسلم أن لا ينكح ‏(‏يتزوج‏)‏ إلا العفيفة المسلمة، والعفيفة الكتابية كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ والنكاح هنا بمعنى الزواج بدليل الحديث الآتي‏:‏

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرتد بن أبي مرتد الغنوي كان يحمل الآساري بمكة ‏(‏أي يفر بهم إلى المدينة‏)‏ وكان بمكة بغي يقال لها عتاق، وكانت صديقته ‏(‏أي في الجاهلية‏)‏ قال‏:‏ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عتاقاً‏؟‏ قال‏:‏ فسكت عني فنزلت ‏{‏والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك‏}‏ فدعاني فقرأها علي وقال‏:‏ ‏[‏لا تنكحها‏]‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه‏.‏

وكذلك الأمر في الكتابية ‏(‏اليهودية والنصرانية‏)‏ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏}‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏ وهذا نص في أنه لا يجوز إلا المحصنة المؤمنة والمحصنة الكتابية، والمحصنة هنا يعني العفيفة سميت بالمحصنة كأن بينها وبين الفاحشة حصناً يمنعها عنها‏.‏

وهذا يعني أن المرأة المشهورة باقتراف الفاحشة أو الدعوة إليها لا يجوز لمسلم الزواج بها حتى على أمل أن تهتدي أو تتحصن بالزواج وكذلك الأمر بالنسبة للرجل الزاني المشهور بالفاحشة لا يجوز لمسلمة أن ترضى به زوجاً أو تسعى للزواج به‏.‏

سادساً‏:‏ الكفاءة‏:‏

الكفاءة بين الزوجين شرط لصحة الزواج ومن الكفاءة أمور اعتمدها الشارع وجعلها أساساً، وأمور أخرى أهدرها الشارع، وأمور حسنها وأرشد إليها‏.‏

فمن الأمور التي جعلها الشارع شرطاً في الكفاءة اتفاق الدين بين الرجل والمرأة وذلك أن الدين هو المعيار الأساسي الذي يقدم به البشر في ميزان الله سبحانه وتعالى ولذلك كان النظر الأول في الكفاءة إليه وكان الشرك مانعاً إذا وجد في أحد الزوجين كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه‏}‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏

إلا أن الله سبحانه وتعالى استثنى من هذا الحكم جواز نكاح الرجل المسلم بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن‏}‏ فعلم بهذا النص المتأخر عن آية البقرة السابقة أن الكتابية مستثناة من جملة المشركين شريطة أن تكون عفيفة ‏(‏محصنة‏)‏ كما قدمنا والحكمة من هذا هو استمالة أهل الديانتين للدخول في الإسلام، وقد كان لها أكبر الأثر في دخول شعوب الشام ومصر في الإسلام وذلك بزواج العرب المسلمين من نسائهم ونشأة أولادهم على الإسلام‏.‏‏.‏ وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم وآثاره‏.‏ والمهم أنه حكم ثابت بالكتاب والسنة وباق إلى يوم القيامة مع وجوب معرفة محاذيره، وهي أن لا يتحول الأبناء إلى دين الأم بسبب ضعف شخصية الزوج أو سكنه في غير بلاد المسلمين وقد أصيب المسلمون من جراء هذا بشر مستطير، ومن الأمور التي اعتبرها الشارع أيضاً في الكفاءة الحرية‏.‏

فالعبد لا يتزوج إلا أمة مثله، وكذلك الحر لا يتزوج إلا حرة‏.‏ ولكن الله استثنى من هذا أيضاً زواج الأمة المسلمة وهذا شرط بالحر المسلم إذا خشي العنت على نفسه ولم يستطع الزواج بمسلمة حرة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان‏}‏ ثم قال تعالى في آخر هذه الآية‏:‏ ‏{‏ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم‏}‏ فعلم من هذه الآية جواز زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة فقط في حالة الإعسار ولا يخفى أن علة هذا الحكم هو رفع الحرج عن بعض الذين ما كانوا يجدون ما يتزوجون به الحرائر وكذلك كره الله هذا الأمر لما فيه من اشتغال الزوجة بسيادة مالكها، واسترقاق أولادها أيضاً لأن الأولاد تبع للأم ‏(‏وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم‏)‏‏.‏

وأما الأمة الكتابية والمجوسية فلا يجوز الزواج بها قطعاً ولذلك لما قيل للإمام أحمد إن أبا ثور يجيز ذلك قال‏:‏ ‏(‏هو كاسمه‏)‏ أي ثور‏.‏

وأما الأمور التي أهدرها الشارع في الكفاءة فهي المال واللون والجنس والقبيلة والمنزلة الاجتماعية فكل هذه الاعتبارات مهدرة، ولا تخدش عقد الزواج‏.‏

وقد ناقشنا سابقاً في الصفات المثالية كيف يختار الرجل زوجته المناسبة وكيف تختار المرأة زوجها المناسب وقد اعتمدنا في هذا على ما حسنه الشارع أو أثبتته التجارب الصحيحة السليمة‏.‏ وبهذا يتضح ماذا نعني باشتراط الكفاءة في عقد النكاح‏.‏

سابعاً‏:‏ الصيغة‏:‏

اشترط بعض العلماء وجود صيغة دالة على الإيجاب والقبول في عقد النكاح ومعنى الإيجاب‏:‏ طلب الزوج من المرأة أو وكيلها الزواج ومعنى القبول‏:‏ رضا الزوجة بصفة تدل على ذلك أو العكس كأن تقول المرأة أو وكيلها أرضي بك زوجاً فيقول الرجل وأنا قبلت‏.‏ وشط بعض العلماء فجعل العربية شرط في الصيغة وأن الزواج لا يعقد إلا باللغة العربية‏.‏ وشبهتهم في هذا أنه عبادة فاشترط ما ليس في كتاب الله فالزواج معاملة فيجوز عقده بالعربية وغيرها‏.‏ وكذلك هو عقد اختياري فيجوز بكل ما تتم به العقود وما يدل على الرضا بالزواج وكل لفظ يدل على الزواج الشرعي ويحصل به إيجاب وقبول بين طرفي العقد فإنه يعتبر صيغة صحيحة لأن يعقد العقد بها‏.‏

وبهذا نكون قد أنهينا الشروط اللازمة لصيغة عقد النكاح‏.‏

 موانع صحة عقد النكاح

تكلمنا عن الشروط التي يجب توفرها عند عقد العقد، ونبدأ بحول الله في بيان موانع الصحة، وقبل الشروع في ذلك لا بد من معرفة الفرق بين الشرط والمانع‏.‏ فالشرط أمر وجودي لا بد من توفره ليكون العقد صحيحاً، ويعني عدمه عدم العقد‏.‏ وأما المانع فيجب أن يكون أمراً عدمياً بمعنى أن وجوده مبطل للعقد أو مفسد له وعدمه من أسباب صحة العقد‏.‏‏.‏ والآن ما الموانع التي يجب الحذر من وجودها قبل عقد النكاح أو دخولها فيه‏.‏

وهذه الموانع بالجملة هي العقد على المحارم أو ذوات الأزواج ‏(‏المحصنات‏)‏ والشغار -والتحليل- والتأجيل- والزيادة على أربع، والجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها والعقد في وقت الإحرام بالحج أو العمرة وكذلك في العدة‏.‏ هذه هي جملة الأمور التي يجب الحذر منها عند عقد النكاح في الشريعة الإسلامية وإليك تفصيل ذلك‏.‏

أولاً‏:‏ العقد على المحارم‏:‏

حرم الله سبحانه على الرجال مجموعة من النساء يسمي العلماء هذه المجموعة بالمحارم وهي بأسباب ثلاثة‏:‏ النسب والمصاهرة والرضاع‏.‏ فبالنسب تحرم الأم والأخت والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، وبالمصاهرة تحرم أم الزوجة إذا عقد العقد على ابنتها، وبنت الزوجة إذا دخل بأمها فقط أما بعد العقد فيجوز طلاقها وزواج ابنتها وكذلك زوجة الابن وزوجة الأب فهذه أربع محارم من المصاهرة ومثيلها سبعة من النسب وأما السبب الثالث فهو الرضاع فكل الذين تجمعوا على ثدي واحد فيحرم بعضهم على بعض وكذلك يحرم أنسباؤهم عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏]‏ فمن رضع من امرأة مثلاً لا يتزوج أختها ولا أمها لأنهما تكونان بمنزلة خالته وجدته هذا فضلاً عن بناتها لأنهن يكن إخواته من الرضاع‏.‏

حكمة التحريم‏:‏

والحكمة البليغة جداً في هذا التشريع الإلهي وذلك أن عقد الزواج يفرض واجبات وحقوقاً خاصة وهذه الحقوق والواجبات تتعارض وتختلف مع حقوق الأمومة والأخوة والبنوة ولذلك فلا يجوز الجمع بينهما فمن تزوج أمه مثلاً فكيف يلزمها بعقد الزواج وبطاعته مع العلم أن المفروض أن يطيعها هو لأنها صاحبة حق عليه بالأمومة، وكذلك من تزوج أخته كيف يؤدي حقوق إخوتها وهو يطالبها بحقوق تتنافى مع حق الأخوة‏.‏ ثم لابد وأن يكون هناك من مجموع النساء ما ينظر إليه الرجل نظرة احترام وتقدير خالية من الاشتهاء لا يتحقق ذلك إلا في إطار المحارم‏.‏ ثم لا بد وأن يسود الأسرة علاقات فاضلة تقوم على الحب والنصرة والحنان الذي لا يصاحبه اختلاف المصالح كما يحدث في الزوج أو اختلاف الطباع فماذا يحدث لو تزوج الأخ أخته ثم لم يتوافقا فطلقها وحصل بعد الطلاق ما يحدث عادة من الخصام والقطيعة فهل يقاطع الرجل أخته وبذلك يقطع أرحامه وتتمزق الأسرة فالمجتمع‏.‏

وإذا كان ظاهراً في النسب فهو أيضاً موجود في المصاهرة والرضاع فأم الزوجة وبنتها، وزوجة الأب وزوجة الابن أدخلن في دائرة المحارم للمعاني السابقة ففيها حفاظ على حق الأب وحق الابن وكذلك حفاظ على حق الزوجة التي لا يجوز طلاقها بعد الدخول بها للزواج من ابنتها أو طلاق ابنتها ولو بعد العقد للزواج بأمها وكذلك الرضاع وفيه هذه العلة الخفية في التحاق الشخص فيمن رضع منهم كأنه فرد من العائلة‏.‏ وهذه الدائرة العجيبة من المحارم تورث المجتمع الاتزان والعفة والجو الطيب الذي ينشأ فيه النشء وتتربى عنده عواطف كريمة وما زالت هي أسمى شيء في الوجود الدنيوي إنها عواطف الأبوة والبنوة، والأخوة والرحم، هذه العواطف الكريمة التي داستها المدنية الغربية الزائفة وهي تلهث خلف اللذة والمتعة في عالم موحش مجنون‏.‏

ثانياً‏:‏ الشغار‏:‏

الشغار هو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته‏.‏ وهو المعروف بالبدل وقد جاء في تحريم ذلك أحاديث صحيحة كثيرة منها حديث ابن عمر في صحيح مسلم ‏[‏لا شغار في الإسلام‏]‏ وحديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم ‏[‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار‏]‏ والشغار أن يقول الرجل‏:‏ زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي‏.‏

وهذا الزواج باطل يجب فسخه سواء كان بصداق أو بغير صداق فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبدالله بن عباس أنكح عبدالرحمن بن الحكيم ابنته، وأنكحه عبدالرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقاً فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما وقال في كتابه‏:‏ هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما حديث ابن عمر الذي رواه الجماعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار وفي هذا الحديث زيادة على قول نافع أن الشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق فهذه الزيادة رأي تابعي وهي لا تخصص الحديث العام ‏(‏لا شغار في الإسلام‏)‏، ومعلوم أن الحكمة من تحريم نكاح الشغار ‏(‏البدل‏)‏ هو أن حياة المرأة تبقى معلقة بحياة الأخرى فهي تتعرض للإهانة إذا تعرضت بديلتها وقد تتعرض للطلاق إذا طلقت بديلتها، وفي هذا ظلم، ولا شك أنه دون صداق أشد ظلماً وهضماً لحقوق المرأة‏.‏

والزواج يريد من عقد الزواج أن يكون عقداً مقدساً بعيداً عن القلاقل والمساومات والظلم الذي ينغص على الزوجين حياتهما وقد يهدد مستقبل الأبناء‏.‏

ثالثاً‏:‏ نكاح التحليل‏:‏

ونكاح التحليل هو ما كان يصنعه وما زال بعض الجهلة والأغنياء والفساق الذي يوقعون ثلاث تطليقات بزوجاتهم ثم يستفتون أشباه العلماء فيفتونهم بأن نساءهم قد حرمت عليهم إلا أن تنكح زوجاً آخر ثم تطلق منه فيعمدون عند ذلك إلى عقد نكاح مفتعل يتزوج بموجبه رجل آخر المرأة المطلقة ثم يفارقها بعد ليلة واحدة ليتزوجها الرجل الآخر، وهذا من أعظم الزنا والفجور، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك كما هو مروي في حديث ابن مسعود الذي رواه أحمد والترمذي وصححه قال‏:‏ ‏[‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له‏]‏‏.‏

واللعن في لغة الرسول لا يكون إلا على كبيرة يستحق صاحبها الطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى‏.‏ والمطلقة ثلاثاً التي بانت من زوجها لا تحل أن ترجع لزوجها الأول كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طلقها‏}‏ -أي الزوج الأول الطلقة الثالثة- ‏{‏فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون‏}‏‏.‏

وسيأتي لهذا الأمر مزيد تفصيل إن شاء الله عند بيان ‏(‏عقد الطلاق‏)‏ والمهم هنا أن نكاح التحليل يصنعه الجهلة والفساق نكاح باطل، وليس من الدين في شيء‏.‏ بل ويتنافى مع أقل قواعد الشرف والمروءة ولذلك كان حرياً بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يلعن فاعله‏.‏

رابعاً‏:‏ نكاح المتعة ‏(‏التأجيل‏)‏‏:‏

المانع الرابع الذي يبطل عقد النكاح هو ضرب الأجل لانتهائه وهو ما يسمى بنكاح المتعة‏.‏ فالأصل في الزواج هو التأييد إذ هو عقد دائم لا يقع الفصل فيه بين الزوجين إلا بأمور أربع هي الطلاق والخلع والظهار واللعان، وسيأتي هذا بالتفصيل إن شاء الله تعالى، وأما الاتفاق بين الزوجين عند عقد العقد على إنهائه في وقت معين فهو مبطل للعقد باتفاق فقهاء الإسلام، وهو ما يسمى بنكاح المتعة إلا من شذ منهم‏.‏

وقد كان هذا النوع من النكاح معمولاً به في الجاهلية، وأباحه الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ولكنه نهى عنه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وكانت سنة سبع من الهجرة ثم أباحه أياماً في فتح مكة ولم يخرج المسلمون من مكة حتى حرمه تحريماً أبدياً إلى يوم القيامة وندلل على ما قدمناه بالأحاديث الصحيحة الآتية‏:‏

1- أولاً حديث ابن مسعود في الصحيحين قال‏:‏ كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي‏؟‏ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ومعنى أن ننكح المرأة بالثوب أي أن يكون الثوب ثمناً لهذا الاستمتاع المؤقت‏.‏‏.‏

2- ثانياً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، وفي رواية‏:‏ نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية، وهذا دليل صريح على النهي عن هذا النكاح في غزوة خيبر وكانت في السنة السابعة كما قدمنا‏.‏

3- وأما الحديث الثالث فهو حديث سبرة بن معبد الجهني الذي رواه أحمد ومسلم أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال‏:‏ ‏(‏أي سبرة‏)‏ فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا في متعة النساء - وذكر الحديث إلى أن قال‏:‏ فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء فليخل سبيله، ‏{‏ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً‏}‏‏]‏‏.‏ وهذا الحديث حجة واضحة على أن هذا النكاح حرام إلى يوم القيامة‏.‏

ولكن بعض الصحابة غاب عنهم هذا التحريم المؤبد فوقع من بعضهم حوادث فردية في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولذلك قام فخطب في الناس فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة‏.‏ ‏(‏رواه ابن ماجة بإسناد صحيح‏)‏‏.‏ وروى ابن جرير بإسناده أن عمر بن الخطاب لما ولي أمر الناس خطب فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها، ولا أجد رجلاً من المسلمين متمتعاً إلا جلدته مائة جلدة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها‏.‏

وهذا القول من عمر بمحضر من الصحابة جميعاً وعدم وجود منكر عليه دليل على ثبوت التحريم، وأن الذي أفتى بغير ذلك إنما كان متأولاً غير عالم بنص التحريم‏.‏

حكمة التحريم‏:‏

ولا يخفى أن تحريم هذا النكاح فيه من المصالح العظيمة ما فيه لأن هذا النكاح إهدار لكرامة المرأة والرجل أيضاً، وإقامة للعلاقة بينهما على مجرد الاستمتاع دون إرادة الولد والاستقرار والسكن وأما الحكمة في إباحته أول الإسلام فهو للحال الشديد الذي كان فيه المسلمين ولقلة ذات اليد‏.‏ فكان كالميتة للمضطر ثم أغنى الله المسلمين عن ذلك بما أغدق عليهم من نعمه وبما نقلهم به من عبث الجاهلية إلى نور الإسلام، ولعل إباحته أول الإسلام ثم تحريمه بعد ذلك كان كشأن الخمر التي سمح بها أولاً ثم تدرج التشريع في تحريمها حتى حرمها حرمة قاطعة‏.‏ وبهذا وصلت الشريعة غاية الكمال في كل النواحي‏.‏ وخاصة علاقة الرجل بالمرأة حيث شرعت الزواج المؤبد الذي يقوم على الحقوق والواجبات ويحقق غاية الوجود في الأرض‏.‏